اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 360
واليهود كانوا يستفتحون على الذين كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فالحق قد تبين وكان أشد تبينًا، لأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك طلبوا آيات أخرى وجحدوا، وما كان ذلك إلا تبريرًا لكفرهم بما علموا، ولم يكتفوا بكفرهم بل ودوا أن يكون المؤمنون مثلهم كفرًا وعنادًا.
ولذا قال تعالى:
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ود هنا معناها تمنى، فإنها تستعمل بمعنى أحب، وبمعنى تمنى، وحيث كانت لو وما بعدها موضع الطلب كانت بمعنى تمنى؛ فإن أمنية أهل الكتاب (وكذلك المشركون) أن يختفي هذا الدين، ولا يكون إلا الوثنية وخصوصا الوثنيين الذين بقوا على وثنيتهم من الأوس والخزرج لكيلا يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه مسيطرين على المدينة.
ويلاحظ أمران:
أولهما - أن القرآن الكريم الذي أنزله العادل الحكيم لم يذكر أهل الكتاب جميعا، بل ذكر الكثير منهم فقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ لأن بعضهم يرجى إيمانه ويسير في طريق الإيمان، ومن سار في طريق الإيمان لَا يرجو زواله، ومن يريد الهداية لَا يود زوالها.
الأمر الثاني - أنه ذكر أهل الكتاب دون غيرهم لأنهم كانوا أشد رغبة في تضليل المؤمنين، وكان الحق عندهم أشد بيانا، وأقوى برهانا؛ ولأن حسدهم أوضح، فكلما كانت الحجة أقطع، كان حسدهم أوضح وأبين وعداوتهم أشد، ولجاجتهم في الباطل.
ويقول سبحانه في موضع التمني وباعثه: (لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِمِ) تمنوا أن تعودوا إلى الكفر، بعد أن ذقتم بشاشة الإيمان، وعبر بقوله تعالى: (يرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا) للإشارة إلى أن ذلك رجعة بعد تقدم، وانتكاسة بعد استقامة.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 360