اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 325
ولذلك كانوا أحرص على حياة، والمشركون يحرصون على حياة عزيزة كريمة، وإن كانوا لَا يؤمنون ببعث ولا نشور، ولا حساب ولا عقاب، ويصور الله سبحانه وتعالى حرصهم على الحياة بقوله تعالت كلماته: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَرُ أَلْفَ سَنَةٍ) يود هنا بمعنى: يتمنى أحدهم، أي أحد اليهود، لو يعمر ألف سنة، ولو هنا مصدرية وهي التي تجيء بعد التمني كقوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)، فهنا " لو " مع الفعل بعدها مصدر غير أنها لَا تنصِب (مثل أن). وذكر ألف عام لأنه أكبر عدد في زعمهم. . طلب أعرابي عطاء من حاكم من حكام بني أمية، فأعطاه ألفا، فقال له قائل: لو طلبت أكثر من ألف لأعطاك، فقال: لو كنت أعلم أن فوق الألف عددًا لطلبته، فالألف كناية عن أكبر عدد.
ومع أنهم يودون الحياة إلى أقصى أمد، ألفا أو أكثر، فإن العذاب ملاقيهم، (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الذِي تَفِرُّونَ منْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ. . .)، بالعذاب الذي يستقبلكم؛ ولذا قال تعالى: (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أْن يُعَمَّرَ) الزحزحة الإبعاد أو الإزالة، وهي تدل على المعاناة في الإبعاد والإخراج من المكان الذي حل فيه كقوله تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ).
و" ما " في قوله: (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ) النافية، والباء دالة على استغراق النفي، وهي زائدة في الإعراب لها دلالة في المعنى، والضمير " هو " يعود على الأحد الذي يود أن لو يعمر ألف عام أو أكبر عدد ممكن، والمعنى على هذا التخريج: وما هو؟ أي هذا الشخص بمبعده ولو بمعاناة ومعالجة عن العذاب تعميره، فالمصدر المكون من (أَن يُعَمَّرَ) فاعل لمزحزحه، وقد أكد سبحانه وتعالى النفي بإعادة الضمير لتأكيد النفي، وبالباء، وبكلمة مزحزح.
وما ذلك النفي المؤكد لوجود العذاب مهما طال الزمن - إلا لأنه ارتكب من الخطايا ما يستحق ذلك، والله تعالى عليم بكل شيء ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؛ ولذا ختم الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) والله ذو الجلال والإكرام القادر القاهر الفاعل المختار بصير أي عالم علم من يبصر
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 325