اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 280
وثانيهما أنهم يحسبون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما كانوا يعلمون ما عند االيهود إلا بإقرارهم أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنون يعرفون ما في كتبهم من بشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهم أنفسهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
ولقد بين الله تعالى بطلان كلامهم وبعده عن العقول فقال تعالى: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الفاء مؤخرة عن تقديم لأن صيغة الاستفهام لها الصدارة، والفاء للإفصاح، والاستفهام داخل على نفي، فهو من قبيل نفي النفي وهو في نتيجته يدعوهم سبحانه وتعالى إلى أن يعقلوا، ويتفكروا ويتدبروا، ويدركوا ما يؤدي إليه كلامهم، وهو بعده عن كل معقول، فهم يتصورون أن الله تعالى لَا يعلم حالهم، وما أخذ عليهم من مواثيق، وما وضع من إشارات إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم، يتصورون ذلك ويحسبون أن المؤمنين يحاجونهم عند الله بهذا الاعتراف، ولا يعرفون أن الله تعالى يعرف سرهم ونجواهم. وقد يفسر قوله تعالى: (أَفَلا تَعْقِلُونَ) على أنه من كلام بعضهم، ويكون معناه على أنه من لسانهم، (أَفلا تَعْقِلُونَ) وتتدبرون نتيجة كلامكم من أنهم يحاجونكم به عند ربكم، ويكون هذا إمعانا في الجهل بحالهم وعلم الله تعالى، ونحن نميل إلى احتمال توجيهه من الله تعالت كلماته.
وإنهم ممعنون في الجهل بالله سبحانه وتعالى، وظنهم أن الله تعالى لا يعلم ما يخفون وما يبدون، وإنه لَا فائدة في أن يحدثوا النبي والمؤمنين، لأن الله تعالى بكل شيء عليم، ولذلك قال تعالى:
(أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) هذا استفهام إنكاري لجهلهم، وتوبيخ لهم على عدم علمهم، فالاستفهام داخل على فعل محذوف دل عليه عطف ما بعده والمعنى أيقولون ما يقولون من ذلك القول، ولا يعلمون أن الله - جل جلاله - وقد أحاط بكل شيء علمًا ويعلم ما يسرونه وما يجهرون به، وما يعلنونه للناس، يعلم ما تخفي صدورهم، ويعلم ما يجهرون، وفي بيان ذلك العلم تهديد بالجزاء الذي ينتظرهم، فهو سبحانه يعلم ما يفعلون، وما يخالفون به مواثيقهم وعهودهم، وما ينكثون به في أيمانهم، ومُؤاخذهم به.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 280