اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 273
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكم مِّن بَعْد ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، وثم هنا للتراخي لبعد ما بين هذه الآيات البينات، والمعجزات الباهرة، وما انتهت إليه من قسوة القلوب وصلابتها، حتى كأنها الحجارة أو أشد من هذه الحجارة.
فقد توالت عليهم البينات، من إنقاذ من فرعون، وإغراقه وآله، ومن المن والسلوى، ومن أخذه الميثاق، ومن أنهم طلبوا أن يروا الله فصعقوا ثم أفاقوا. . . إلخ، فقسَوا من بعد ذلك فكان الفارق كبيرًا. فما جاءهم من البينات، وما انتهوا إليه من قسوة في القلوب، فجمدت حتى لَا يكون فيها ينبوع لرحمة.
والخطاب للذين حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتبارهم مع من كانوا قبلهم أمة واحدة يرضى حاضرهم بماضيهم وأخلافهم بأعمال أسلافهم، ولذا صح أن يوجه الخطاب إليهم على أساس أنهم مشتركون معهم، إن لم يكن بالفعل فبالرضا والتأييد والسير على منهاجهم.
وقد وصف سبحانه وتعالى حال قلوبهم بأنها كالحجارة، بل إنها أشد قسوة من الحجارة؛ لأن الحجارة قد يكون فيها رحمة أو يجعلها الله تعالى سببا للرحمة، أما هؤلاء فلا رجاء للرحمة فيهم قط، لأن القلوب إذا جفت فيها ينابيع الرحمة لا تخرج رحمة من بعد ذلك، وقوله تعالى: (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) خبر بعد خبر، فالمعنى فهي كالحجارة أو هي أشد قسوة من الحجارة.
وقد رشح الله تعالى لمعنى أن قلوبهم أشد قسوة، فذكر خواص بعض الحجارة، أو ما يكون منها أنهارًا فقال تعالت كلماته: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ منهُ الأَنْهَارُ) أي إن من الحجارة للذي يتفجر منه الأنهار وهي الحجارة التي تهطل عليها الأمطار وابلا، فيتفجر منها ومن صخورها أنهار تجري كأنهار جبال الحبشة
المصريون، بينما الرأي الأخير لَا يؤدي إلى شيء من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بعد هذه الآيات البينات، والمعجزات الباهرة، والإرشادات الكثيرة لم ترق قلوبهم للحق، بل زادت قساوة ونفرة منه؛ ولذلك قال تعالى:
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 273