اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 259
بتقوى الله تعالى قلوبهم، وتغلب عليهم مخافة ربهم فلا يعصوه، ويبادروا إلى طاعته، ولذلك قال تعالى: (ولَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي ترجون التقوى والخوف منه.
ولكن كان هذا الميثاق الذي وثقه تعالى بأمر حسي، لأنهم لَا يعتبرون إلا بالمحسوسات مؤديا إلى أن يتقوه سبحانه بل إنهم تلقوا أمرًا موثقا ذلك التوثيق، مؤكدا ذلك التوكيد، ولكنهم كعادتهم في استهانتهم بَأمر الله ونهيه نسوه وتولوا عنه معرضين؛ ولذلك قال تعالى:
(ثُمَّ تَولَّيْتُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ ... (64) التولي هو الإعراض، وأصله الإدبار، وأن يجعل جسمه موليا وجه من يطالبه بقول أو عمل، والمعنى أنهم أعرضوا إعراضا شديدا واضحا، كمن يعرض عن القول بتولية جسمه، واتجاهه في اتجاه غير اتجاه من يواجهه بالقول، ومعنى ذلك أنهم جعلوا الله وميثاقه وراءهم، ودبر آذانهم. والتعبير هنا بـ " ثم " التي تدل على التراخي للإشارة إلى البعد عن الميثاق وموجبه، وعملهم المناقض لأمر الله تعالى، والإشارة فيها بالبعيد في قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلتم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ) لبيان بعد عملهم، عن الميثاق الذي أمرهم سبحانه وتعالى أن يأخذوه بقوة، وأن يذكروه دائما وأن يكون في وعيهم في كل أحوالهم.
وإن ذلك التولي كان بالإعراض عما جاء في التوراة أو الألواح العشرة التي أخذوها بقوة، وطولبوا بذكرها دائما ليمكنهم أن يعملوا بها، وقد قال القفال الشاسي بعض ما تولوا به عن التوراة فقال: وإنهم بعد قبول التوراة، ورفع الطور تولوا عن التوراة بأمور كثيرة فحرفوا كلمها عن مواضعه، وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء، بعد أن كفروا بهم، وعصوا أمرهم، ومنه ما عمله أوائلهم، ومنه ما فعله متأخروهم، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم لأعاجيب البلاء يخالفون موسى ويعترضون عليه، ويلقونه بكل أذى، ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك، حتى لقد خسف ببعضهم وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون، ثم نقل متأخروهم ما لَا خفاء فيه، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح وهموا بقتله.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 259