اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 239
وعبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك الرزق الذي رزقهم الله تعالى إياه بقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) لأنه ما كان بكسب كسبوه، ولكنه رزق الله تعالى من السماء أنزله إليهم لتطيب إقامتهم في الصحراء، حتى يقضي الله تعالى أمره فيهم، فالإنزال معنوي لأنه بأمر الله تعالى لطفًا بهم ورحمة، وليكون ذلك معجزة فوق المعجزات التي توالت عليهم، ومع ذلك جحدوا بآيات ربهم، ولقد قرر الله سبحانه وتعالى أنه مكّن لهم ذلك تمكينا، فقال سبحانه: (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) وقد وصف الله سبحانه وتعالى ذلك الطعام بأنه طيب، والطعام الطيب هو الذي تشتهيه النفس، ويكون مريئًا لَا يضر ولا يعاف، و (مِن) في قوله تعالى: (مِن طَيبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) هي للتبعيض باعتبار أنهم يأكلون منه ما يشتهون وما يطيقون غير مدخرين، لأنهم يجدون ما رزقهم الله تعالى مجددا دائما، ويذكر في بعض الكتب أنهم كانوا يأكلون رزق كل يوم، وقد أمروا بذلك لأنه يفسد في اليوم التالي ويجيء الجديد ليحل محل الفاسد [1].
ويحتمل أن تكون " مِنْ " بيانية، ويكون المعنى كلوا طيبات ما رزقناكم، وعلى التقديرين يتحقق وصف الطيبات، وذكر سبحانه أنه رزق خالص من الله جاءهم من غير جهد ولا نصب، بل هو رزق الله تعالى ساقه إليهم سبحانه وتعالى.
وأنهم بتوافر هذه النعم التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم، إذا هم جحدوا آياته، وأعرضوا عن بيناته. . ما كان سبحانه وتعالى إلا منعما عليهم إذ أنجاهم من ظلم فرعون وإذلاله، وبعد أن كانوا مستضعفين مكن الله لهم في الأرض، ومنَّ عليهم، وكلما شكوا أمدهم الله تعالى بعونه، وسهل لهم الحياة العزيزة الكريمة المنيعة. [1] روى البخاري (3083) ومسلم (2674) عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: " لَوْلا بَنُو إِسْرَائيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ " قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قَوْلُهُ: " لَوْلا بَنُو إِسْرَائيل لَمْ يَخْنَز اللَّحْم " يَخْنَز بفَتْح أوّله وَسكُون الْخَاء وَكَسْر النون وَبِفَتْحِهَا أيْضًا بَعْدهَا زَاي أيْ يُنْتِن، وَالْخَنَز التَّغَير وَالنَّتْنُ.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 239