اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 230
ومعنى لنحرقنه أي نحكه ونبرده ثم بعد برده لننسفنه في اليم نسفا، وذلك كقولهم حرَّق الأرَّم [1] أي حكها حكا شديدًا.
هذا خبر عبادتهم العجل، وكيف كانت وذلك لتأثرهم طريق المصريين، وسلوكهم طريق الأوهام التي سلكوها. وقوله: واعدنا موسى أربعين ليلة فيها قراءتان: إحداهما (وعدنا موسى)، والقراءة الأخرى: (واعدنا موسى)، وإن المواعدة لَا تكون إلا بين طرفين، وذلك بعيد عن الله تعالى، ولذا قيل إن معنى واعدنا ليس المفاعلة التي تكون بين طرفين، بل معناها وعدنا، وقد تستعمل: صيغة فاعل في غير معنى المفاعلة، كقولهم داويت العليل، وعالجت المريض، وعاقبت المجرم.
وعندي أن المواعدة على معناها وهي من الله الوعد، ومن موسى التلقي والاستجابة وإنجاز ما وعد الله.
توالت نعمة الله تعالى، ولكنهم فتنوا بما كان عليه المصريون الأقوياء، وكانوا هم الضعفاء، والضعيف دائما مأخوذ بتقليد القوي، فسرى ما عند الأقوياء، وهم قوم فرعون إلى الضعفاء، وكانوا يشعرون بالمذلة والاستكانة، وشعروا من بعد بأنهم ذلوا، فتابوا وتاب الله تعالى عليهم وعفا عنهم، وعدَّ الله تعالى ذلك عليهم نعمة، فقال تعالى: [1] حرَّق الحديد حرقا: برده، يقال: حرقه بالمبرد. ويقال: هو يحرق عليه الأُرَّم: يحك أضراسه بعضها ببعض من الغيظ. [الوسيط - أرم - ح رق].
(ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
أي أن هذه الجريمة الكبرى، وهي الإشراك بالله تعالى ما كانت لتغفر، ولكن الله تعالى عفا عنها، والتعبير هنا بـ (ثُمَّ) الدالة على التراخي والبعد، لبيان بُعد ما كان منهم عن أن ينالوا من بعده عفو الله تعالى، ولكنه سبحانه وتعالى توَّاب رحيم وسعت رحمته كل شيء ما دامت التوبة قد حصلت.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 230