اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 212
وبعد ذلك التحريض والحث على الاتباع، وبيان أنهم إن اشتروا بالحق شيئا فهو ثمن قليل، بعد ذلك حذرهم من ترك الحق، وخوفهم من عاقبة هذا الترك، فقال: (وَإِيَّايَ فَاتَّقونِ) تحذير من المخالفة بالتقوى والخوف من الله سبحانه وتعالى والمعنى: وإياي فاحذروا (فَاتَّقُونِ) النون هنا نون الوقاية التي تكون بين الفعل وياء المتكلم، والفاء جواب عن شرط مقدر أفصحت عنه، والمعنى إن كان هناك من يتقى عذابه ومن يجب أن تكون وقاية بينكم وبينه، فاتقوني أنا وحدي، أي اجعلوا بينكم وبين عذابي وقاية تقيكم من عذاب النار.
أمرهم سبحانه وتعالى أن يؤمنوا بالحق وهو الكتاب الذي أنزل مصدقا لما معهم، وهو القرآن الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن الأمر بالإيمان بالقرآن أمر بالإيمان بمن نزل عليه القرآن.
وإن اليهود من دأبهم التمويه، ليصلوا من وراء ذلك إلى باطلهم؛ ولذا قال تعالى ناهيا لهم:
(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)
اللبس معناه الخلط ومزج شيئين بعضهما ببعض، حتى لَا يميز أحدهما عن الآخر، ولبست الحق بالباطل أي خلطت بينهما، بحيث لَا يميز الحق عن الباطل الذي اختلط، فلا يدرك إلا مشوبا بالباطل، فلا يكون الحق واضحا لَا تحوطه الريب والظنون، ويقال إن الرجل ملبوس عليه إذا اختلط عليه الحق بالباطل، ولقد روي عن علي كرم الله وجهه لبعض صحابته: (يا حارث إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله).
واليهود قد غيروا في كتبهم، فلبسوا الحق بالباطل فنهاهم الله عن ذلك، وقال تعالت كلماته: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير هذه الآية أن معناها: لَا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل، وهو التغيير والتبديل.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 212