اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 179
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ... (27)
ذكر الله تعالى أوصافا ثلاثة هي التي تتقطع بها أوصال الجماعة الإنسانية، ويكون بها التدابر، وأن يكون بها ابن الإنسان على أخيه الإنسان أشد من الوحوش، وأقسى من كل ما في الوجود:
وإن أولئك المؤمنين سلمت مداركهم، واستقامت عقولهم، فأدركوا معنى الحقيقة، فكلما جاء ما يؤكدها ويبينها ازدادوا هداية، وساروا على الجَدَد، وأما الآخرون فهم يخرجون عن سن الفطرة، وما يوجه إليه الإدراك الصحيح؛ ولذلك قال تعالى: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) أي الخارجين عما توجبه الفطرة، الذين شاهت عقولهم، وانعكست الحقائق أمامها، فصاروا يدركون الأمور عكس حقيقتها. والفاسق في أصل معناه اللغوي الخارج عن الطاعة، ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها، ويقال للفأرة فويسقة لخروجها من جحرها للفساد، ويطلق على الحشرات والمؤذيات فواسق، ولقد روي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور " [1].
والفاسق في هذه الآية هو الكافر سواء أكان يجمع الكفر والنفاق أم يكون كافرا من غير نفاق؛ وذلك لأنه خرج عن مقتضى الفطرة، والعقل المستقيم، فهو قد كفر بالله ورسوله، وبالأوامر والنواهي، وإنها دين الفطرة، كما قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ولقد بين تعالى أولئك الفاسقين الخارجين عن سنن الفطرة، فقال: [1] رواه بهذا اللفظ النسائي: مناسك الحج - قتل الحدأة في الحرم (2841)، وهو متفق عليه؛ أخرجه بنحوه البخاري: بدأ الخلق - خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم (3314)، ومسلم: الحج - ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب (1198). عن عائشة رضي الله عنها.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 179