اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 177
ولذا يقول سبحانه: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) قوله تعالى: (فَأمَّا) هي للتفصيل، أي تفصيل حال الذين يتلقون الأمثال المضروبة لهداية المتقين، وهي في معنى أداة الشرط بمعنى مهما يكن من شيء، والمعنى مهما يكن من الأمر في المثل الذي ساقه الله تعالى فالذين آمنوا وأذعنوا للحق إذا بدا لهم يعلمون أي يعرفون جازمين بالدليل القاطع أنه الحق أي الأمر الثابت الذي لَا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، ويرشحون لذلك الإيمان المذعن والعلم الجازم بأنه من ربهم أي من الله العلي القدير الذي يربهم، ويدبر أمور الوجود بحكمته، وقوته، وبذلك يزدادون إيمانا.
وأما الذين كفروا فيظهرون استغرابهم بل استنكارهم، فيقولون: (فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهَ بِهَذَا مَثَلًا)؟ فهم يستفهمون استغرابا أو إنكارا ما الذي يريده تعالى بهذا المثل، والتجاهل يؤدي إلى الجهل، وعمى البصيرة يؤدي إلى العمى في طرق الإدراك. إنهم يعرفون المثل ومضربه، وما تشبه به من حالهم، فإذا ضرب مثل ما يعبدون من آلهة ببيت العنكبوت فهم يعرفون أن الله تعالى بين وهن الأسباب التي يقيمون عليها، ولكن لاعتقادهم الواهم في أصنامهم يثير المثل استغرابا ثم إنكارا، وذلك من رسوخ الضلال في نفوسهم، فلا يزيدهم المثل إلا إمعانا في الضلال.
و" ما " الاستفهامية، و " ذا " موصول بمعنى الذي، والمعنى على ذلك ما الذي أراد الله تعالى بهذا المثل، أو نقول: إن ماذا كلها للاستفهام، وهي مركب يراد به الاستفهام، والفرق إعرابي، ولا مؤدى له، فالمعنى واحد.
وإن هذا الاستغراب أو الإنكار الذي سبق إليهم، سببه أمران:
الأول: ضلال اعتقادهم في أوثانهم كما أُثِر.
والثاني: غطرستهم وعنادهم، وحبهم لبقاء سلطانهم، وإن المعاند يزداد إصرارا وينفض رأسه كلما زاد الدليل وضوحا.
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 177