اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 159
(وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) أي وجعل السماء بناء، أي كأنها البناء أو الخباء الذي يحيط بأهله فهي السقف، أو كالسقف، ولقد قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا. . .)، ويقال: بني على أهله. أي: زفت إليه زوجه؛ لأنه من العادة المعروفة عندهم أن المرأة كانت إذا زفت لزوجها بني لها خباء يسترهما، فهي من الأرض بمنزلة الخباء الذي يحيط بها ويظلها؛ ولذا تسمى الأرض المُقلَّة وتسمى السماء التي نراها المُظِلَّة.
وإن الازدواج بين المظلة والمقلة تكون نتيجته الماء الذي ينزل من السماء مدرارا، فيكون غيثا ينبت الزرع، ويكون منه الكلأ تأكل منه الأنعام والحرث.
ولذا قال تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً) أي مما كان بناء الأرض (مَاءً) ولم يقل من السحاب أو الغمام، وهي التي يتقاطر المطر منها، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)، فهذه الآية الكريمة تدل على أن الماء ينزل من السُّحُب المتراكمة التي تكون كالجبال، وعبر سبحانه وتعالى عن نزول الماء بأنه من السماء، لأنها وعاء السحاب، ولأنه سبحانه وتعالى مَنَّ على عباده، بأنه جعل السماء مظلة الأرض، فناسب أن يذكر السماء مضافه إليها نعمة أخرى، وهي نعمة نزول الماء الذي يكون به الخصب والنماء، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءً حَيٍّ أَفَلا يؤْمِنُونَ).
وقد قال سبحانه بالتنكير: (وَأَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً) أي أن هذا الماء بعض نعمه، فله نعم من الماء، وليس الماء الذي ينزل إلا بعضا من مياه كثيرة، تنزل فتفيض بها الأنهار، وتجري في الأقطار، فالتنكير للبعضية.
وقال سبحانه: (فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ) ومن للتبعيض مثل قوله تعالى: (فَأخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ. . .)، وأسند الإخراج إليه، فلم يقل سبحانه أخرجت الأرض، أو أنبتت الأرض، أو أنبت الماء نباتا، لبيان
اسم الکتاب : زهرة التفاسير المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 159