اسم الکتاب : فتح البيان في مقاصد القرآن المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 209
(وقالوا) أي اليهود (لن تمسنا) أي تصيبنا (النار إلا أياماً معدودة) استثناء مفرغ أي قدراً مقدراً يحصرها العد، ويلزمها في العادة القلة ثم يرفع عنا العذاب، وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية، قال ابن عباس إن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودة ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله في ذلك هذه الآية.
وعن عكرمة قال اجتمعت يهود يوماً فخاصموا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لن تمسنا النار إلا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس، وأشاروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورد يديه على رأسه كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم
بالتحريف، ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله لينالوا بهذه المعاصي المتكررة هذا العرض المزر، والعوض الحقير، واستدل به النخعي على كراهة كتابة المصحف بالأجرة.
(فويل لهم مما كتبت أيديهم) تأكيد لقوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) ومع ذلك فيه نوع مغايرة لأن هذا وقع تعليلاً فهو مقصود وذلك وقع صلة فهو غير مقصود، والكلام في هذا كالذي فيما قبله من جهة أن التكرير للتأكيد (وويل لهم مما يكسبون) قيل من الرشاء ونحوها وقيل من المعاصي، وكرر الويل تغليظاً عليهم وتعظيماً لفعلهم وهتكاً لأستارهم. وقال السعد التفتازاني إنما كرر ليفيد أن الهلاك مرتب على كل واحد من الفعلين على حدة لا على مجموع الأمرين، والكسب مسبب فجاء النظم على هذا الترتيب.
وقد ذكر صاحب الدر المنثور آثاراً عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية، ولا دلالة فيها على ذلك، ثم ذكر آثاراً عن جماعة منهم أنهم جوزوا ذلك ولم يكرهوه.
اسم الکتاب : فتح البيان في مقاصد القرآن المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 209