اسم الکتاب : لطائف الإشارات = تفسير القشيري المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 34
كان نطفة وفى انتهائه إلى جيفة، وفى وسائط حاله كنيف فى قميص، فبالحرىّ ألا يدل ولا يفخر ... ثم صوّره فأحسن صورته فهو قادر على أن يرقيك من الأحوال الخسيسة إلى المنازل الشريفة النفيسة.
والإنسان أفضل من الجان لأن الجان من نار، والنار بالماء تنطفىء وتصبح رمادا ولا يجىء منها شىء. أمّا الطين (الإنسان) فإذا انكسر عاد به الماء إلى ما كان عليه، ولذلك العدو (إبليس) انطفأ ما كان يلوح عليه من سراج الطاعة، ولكن آدم عليه السّلام لما اغترّ جبره ماء العناية فقال تعالى: ثم اجتباه ربه» .
«خلق الإنسان من طين ولكنه تعالى «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» خلق الإنسان من طين ولكنه تعالى «رضى الله عنهم ورضوا عنه» خلق الإنسان من طين ولكنه يقول «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» خلق الإنسان من طين ولكن:
فكم أبصرت من حسن ولكن ... عليك من الورى وقع اختياري
وبعد ... فهذه أمثلة سريعة أردنا أن نقدمها للتدليل على المواقف التي يتخذها القشيري فى ظلال القرآن من زوايا مختلفة وفى ظروف متنوعة، ومن مجموع هذه المواقف يتحصل مذهبه فى التصوف فضلا عن مذهبه فى الكلام، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حاول أن يحل بطريق العلم الصوفي ما عجز المتكلمون عن حلّه، فحين حلّ القلب محلّ العقل ليصعد ويقصد نحو الملأ الأعلى، وأصبح الحقّ مناط الأمل لم يعد هناك معنى لأى حديث فى الجبر والاختيار والحسن والقبيح والثواب والعقاب- على النحو الذي اشتجر من حوله الخلاف بين المتكلمين. الله- فى عرف هذا الصوفي وفى عرف الصوفية الخلّص- مشهود ومحبوب لا معبود فقط، وكلّ كلام عن جبر الحب وعذاب الحب يسمج ويسخف، وهل هناك أجمل من أن يتعذب الإنسان فى حبه حتى يهلك؟ ألا ما أروعها من غاية! وما أجدر من أن يضيع العمر بين فقد ووجد! وما أعظم أن يكون الحقّ خلفا لك عن كل حطام الدنيا وأن تكون مشاهدته بديلا لك عن كل نعيم الجنان!
اسم الکتاب : لطائف الإشارات = تفسير القشيري المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 34