ويبيد جسمه الهزيل في سبيل إرجاع الأمة الجزائرية إلى الحقيقة القرآنية ومنبع الهداية الأخلاقية والنهوض الحضاري. وكان همه أن يكوِّن رجالاً قرآنيين يوجهون التاريخ ويغيرون الأمة، ولذلك فإنه جعل القرآن قاعدة أساسية ترتكز عليها تربيته وتعليمه للجيل قال: "فإننا - والحمد لله- نربِّي تلامذتنا على القرآن من أول يوم، ونوجه نفوسهم إلى القرآن في كل يوم ... " [1].
ولما رجع الشيخ من تونس عاد شعلة من الحماسة وشهاباً وارياً من الدين، فقصد الجامع الكبير وأخذ في إلقاء الدروس وابتدأ بتدريس كتاب الشفاء للقاضي عياض، ولكن المكائد حيكت له، فعمل أعداؤه على إقلاقه ومنعه وأطفأوا عليه الضوء وهو في الدرس فقرر السفر للحج إلى بيت الله الحرام وللقاء شيخه حمدان لونيسي، فاستأذن أباه وسافر وأتيح له أن يتصل في رحلته هذه بأطراف من العالم الإسلامي في المشرق وبجماعة من المفكرين والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ومن الأعمال التي سجلها في الأراضي المقدسة أنه قام بإلقاء درس في الحرم النبوي على مشهد كثير من المسلمين وبحضور شيخه حمدان لونيسي، وعند رجوعه من مهبط الوحي، سلم له حمدان لونيسي رسالة إلى الشيخ بخيت [2] العالم الأزهري المصري زميل الشيخ محمد عبده والمدافع عنه، فاتصل به في منزله بحلوان، ولما بين له أنه مرسل من طرف أستاذه قال له معظماً إياه: "ذاك رجل عظيم! " وحينما توفي ترجم له [1] ن. م. [2] ولد بقرية المطايعة بمحافظة أسيوط بعد أن حفظ القرآن أرسل إلى الأزهر سنة 1282هـ فدرس الفقه الحنفي والفلسفة على الشيخ حسن الطويل وعلى جمال الدين الأفغانى، نال شهادة العالمية سنة 1292 وتقلب في مناصب كبيرة إلى أن عين مفتياً للديار المصرية في 31 دسمبر 1914 له مكتبة عظيمة (8000 مجلد) توفي في سنة 1935.