إقتضى ذلك أن نذارته تكون بالفرقان لتقوم الحجة وتتم الحكمة وتحصل الفائدة وتشمل النعمة. وقد صرح بهذا في قوله تعالى بالأعراف: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ}. وبالأنعام: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}. وبالنمل: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}. وبق: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}. وبالتوبة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فعلينا- إذاً- أن نعلم أنَّ القرآن هو كتاب النذارة والهداية، فنستخرج أصولهما وفنونهما من آياته، وهذا حظ العلم، وأن يكون اهتداؤنا في أنفسنا وهدينا لغيرنا به، وهذا حظ العمل، وهما ركنا الإيمان.
تطبيق وتحاكيم:
في العالم الإسلامي كله اليوم طائفتان من المؤمنين تتنازعان خطة الهداية والنذارة والتذكير، ولكل منهما في سلوكها للقيام بتلك الخطة سبيل، وكل منهما تدَّعي أنها هي التي على الصواب، وأنها الأحق والأولى بنفع العباد. فرأينا أن نطبق فصل الفرقان عليهما وننظر كيف يفرق ما بينهما وبين المصيبة من المخطئة منهما، وفي ضمن ذلك تحاكمهما إليه وفصل النزاع بينهما بحكمه. وإنما اخترناهما للتطبيق والتمثيل لخطر الخطة التي تنازعا عليها، وعظيم النفع والضرر الذي يحصل من خطأ المخطىء وصواب المصيب بها، ولأن الهداية والنذارة والتذكير أمور لها أنزل القرآن فتنازعهما عليها تنازع عليه فأحق فصل نمثل به