يد السلاطين الجائرين منها ومن غيرها. وهذا ما يشهد به تاريخها في ماضيها وحاضرها. فما أصدق كلمة جعفر الصادق وما أعمق نظره فيها، ومن أحق بمثلها من بيت النبوة ومعدن الحكمة؟ عليهم الرضوان والرحمة.
تطبيق وتحذير:
من أبين المخالفة عن أمره وأقبحها الزيادة في العبادة التي تعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك المحدث فيها. وكلا هذين زيادة وأحداث وابتداع مذموم. يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- عنها. وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء، دع ما يجر إليه من بلايا أخرى، وقد طبق الأمام مالك رضي الله عنه هذه الآية الكريمة، على هؤلاء المتزيدين أحسن تطبيق وأبلغه وأردعه لمن كان له فهم وإيمان.
روى الإمام ابن العربي- رحمه الله- بسنده المتصل إلى سفيان ابن عيينه رحمه الله قال: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة [1] من حيث أحرم رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: (إني أريد أن أحرم من المسجد) فقال: لا تفعل. قال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. قال: وأي فتنة في هذا؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى [1] ذو الحليفة: تصغير حلفة، وهي ماءة بين بني جشم بن بكر بن هوازن، بينه وبين المدينة ستة أميال، وهو كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة (أنظر البكري 464 - 465).