وأفادت النكرة وهي قوله {تَبْذِيرًا} بوقوعه بعد النهي- العموم فهو نهي عن كل نوع من أنواع التبذير القليل منه والكثير حتى لا يستخف بالقليل، لأن من تساهل في القليل وصلت به العادة إلى الكثير.
إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ:
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.
إن الشيطان يعمل وأعماله كلها في الضلال والإضلال. فقد ضيع أعماله في الباطل، وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وهو جاد في ذلك ضار عليه لرسوخه في نفسه. والمبذر يضيع أمواله في الباطل وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وقد أخذت عادة التبذير بخناقه واستولت عليه. فهو أخو الشيطان لمشاركته له في وصفه كمشاركة الأخ لأخيه. وهو أخوه بامتثاله لأمره وصحبته له في الحال وفي المال وفي سوء العاقبة في العاجل والآجل.
المال كما هو أداة لكل خير، كذلك هو أداة لكل شر، فالمبذر المفرق لماله في وجوه الباطل بالغ- لا محالة- بماله إلى شر كثير وفساد كبير، ولذلك وصف بأنه أخ الشيطان الذي هو أصل الشر والفساد، ووصف تعالى الشيطان بقوله: {كَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} لأنه أنعم عليه بنعمته فبدلاً من أن يستعملها في طاعته في الخير قصرها على المعصية والشر. وذكر هذا من وصف الشيطان بعد ما تقدم يفيد أنه من وصف المبذر أيضاً. فالمبذر أخو الشيطان، والشيطان كان لربه كفوراً. فالمبذر كان لربه كفوراً. ذلك لأن الله تعالى أنعم عليه بالمال الذي هو أداة لكل خير وعون عظيم على الطاعة فجعله أداة في الشر واستعان به على المعصية. ومكنه بالمال من نعمة القدرة