وقدم الأول لأصالة حاجته. وفي ذكرهما أيضاً جَمْعٌ ما بين القريب الدار والبعيد الدار والمسافر. كل هذا ليعلم أنَّ ذا الحق يعطي حقه على كل حال، وبقطع النظر عن أي اعتبار. وسمي هؤلاء الثلاثة بأسمائهم المذكورة لأنها ترقق عليهم القلوب من القرابة والمسكنة وغربة الطريق. وسمى ما ينالونه حقاً ليشعر المكلف بتأكده. ويحذر المعطي من المنِّ به ولا ينكس قلب آخذه.
الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ:
{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}
المال قوام للأعمال، وأداة الإحسان، وبه يمكن القيام بالحقوق، فصاحبه هو مالكه، ولكن الحقوق فيه تشاركه ولا يقوم له بوجوه الحق إلا إذا أمسكه عن وجوه الباطل، ثم لا يقوم له بجميع تلك الوجوه إلا إذا أحسن التدبير في التفريق وأصاب الحكمة في التوزيع. فلذا بعد ما أمر الله تعالى بإعطاء الحقوق لأربابها نهى عن تبذير المال الذي هو أصلها وبه يمكن إعطاؤها.
والتبذير هو التفريق للمال في غير وجه شرعي أو في وجه شرعي دون تقدير فيضر بوجه آخر. فالإنفاق في المنهيات تبذير وإن كان قليلاً. والإنفاق في المطلوبات ليس بتبذير ولو كان كثيراً. إلا إذا أُنْفِقَ في مطلوب دون تقدير فأضر بمطلوب آخر كمن أعطى قريباً وأضاع قريباً آخر أو أنفق في وجوه البر وترك أهله يتضورون بالجوع وقد نبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا بقوله: "وابدأ بمن تعول". والإنفاق في المباحات إذا لم يضيع مطلوباً ولم يؤد إلى ضياع رأس المال بحيث كان ينفق في المباح من فائدته ليس بتبذير، فإذا توسع في المباحات وقعد عن المطلوبات أو أداه إلى إفناء ماله فهو تبذير مذموم.