{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [1]. ليحفظ حكم الله وأمرَه فيهما ولا يضيع شيء من حقوقها، فكان حقهما بهذه الوصاية أمانة خاصة ووديعة من الله عظيمة عند ولدهما. وكفى بهذا داعياً إلى العناية بهذه الأمانة وحفظها وصيانتها. وكما جاء هذا الجمع في باب الأمر في القرآن كذلك جاء الجمع بينهما في باب النهي وكبر المعصية في السنة. ففي الصحيح عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: ألا أخبركم بأكبر الكبائر! قلنا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين.
وتقدير نظم الآية هكذا: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبأن تحسنوا للوالدين إحساناً". فحذفت أن تحسنوا لوجود ما يدل عليه وهو إحساناً. وفي تنكيره إفادة للتعظيم فهو إحسان عظيم في القول والفعل والحال. وتقول: أحسنت إليه وأحسنت به، وأحسنت به أبلغ لتضمن أحسنت معنى لطفت، ولما في الباء من معنى اللصوق. ولهذا عدَّى في الآية بالباء ليفيد الأمر باللطف في الإحسان والمبالغة في تمام اتصاله بهما، فلا يريان ويسمعان ولا يجدان من ولدهما إلا إحساناً، ولا يشعر أن في قلوبهما منه إلاَّ بالإحسان. ومن الإحسان ما يكون ابتداء وفضلاً، ومنه ما يكون جزاء وشكراً، فعليه أن يعلم أن كل إحسانه هو شكر لهما على سابق إحسانهما الذي لا يمكنه أن يكافئه بمثله، لثبوت فضيلة سبقه، وفي تعليق الحكم- وهو الأمر بالإحسان- بلفظ الوالدين المشتق من الولادة إيذان بعليتهما في الحكم، فيستحقان الإحسان بالوالديَّة سواء أكانا مؤمنين أم كافرين، بارين أو فاجرين، محسنين إليه أو مسيبئين. وقد جاء هذا صريحاً في قوله تعالى: [1] 8/ 29 العنكبوت.