النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [1].
وتوفيتهم أعمالهم إنالتهم ثمراتها مكملة في الدنيا، وهم فيها لا يبخسون: لا ينقصون من جزائهم عليها بتحصيل المسببات التي توسلوا إليها بأسبابها. ثم في الآخرة تحبط تلك الأعمال فلا يكون عليها من جزاء ولا لها من ثمرة، لأنها كانت أعمالاً باطلة لا ثبات لها، عمل للدنيا دار الزوال فزالت بزوالها، وبقي على عمالها إثم عدم شكرهم لربهم فيه فدخلوا به النار. وتلك عاقبة الظالمين.
غير أن هاتين الآيتين مطلقتان في الشيء المعطى والشخص المعطى له، وآية "الإسراء" مقيدة بمشيئة الله تعالى وإرادته فيهما. والمطلق محمول على المقيد في البيان والأحكام.
وقد أفادت هذه الآيات كلها أن الأسباب الكونية التي وضعها الله تعالى في هذه الحياة وسائل لمسبباتها- موصلة- بإذن الله تعالى- من تمسك بها إلى ما جعلت وسيلة إليه. بمقتضى أمر الله وتقديره، وسننه في نظام هذه الحياة والكون. ولو كان ذلك المتمسك بها لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يصدق المرسلين. ومن مقتضى هذا أن من أهمل تلك الأسباب الكونية التقديرية الإلهية ولم يأخذ بها لم ينل مسبباتها ولو كان من المؤمنين، وهذا معلوم ومشاهد من تاريخ البشر في ماضيهم وحاضرهم. نعم لا يضيع على المؤمن أجر إيمانه، ولكن جزاءه عليه في غير هاته الدار، كما أن الآخر لم يضع عليه أخذه بالأسباب، فنال جزاءه في دار الأسباب وليس له في الآخرة إلاَّ النار. فالعباد- إذاً- على أربعة أقسام: [1] 11/ 15 - 16 هود.