فالمؤمن الذي يحافظ على قلبه ويعتني به حتى يكون صحيح العقد دائم الفكر والإستحضار، ويأتي مع ذلك من الأذكار المأثورة المطلقة بما تيسر منها، وبالمرتبة في الأحوال والأوقات التي رتبت عليها، ولا يخلي مقامه ومقعده من شيء من ذكر الله وإن قل- يكون متبعاً للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم - في سنته في الذكر، ويكون بهذا - في بيته وفي سوقه وفي مصنعه وفي مسجده- معدوداً من الذاكرين المكثرين، بالقلب واللسان والجوارح.
التحذير: ربما شغل اللسان بالتعلم والعلم عن الأذكار المأثورة حتى يتركها الطالب جملة ويكون عنها من الغافلين، فيحرم من خير كثير وعلم غزير، وقد كان- صلى الله عليه وآله وسلم- معلم الخلق، وما كان يغفل عن تلك الأذكار.
وربما بالغ قوم في بعض هذه الأذكار فأتوا منه بالآلاف، وأهملوا جانب التفكير الذي هو أعظم أذكار القلب، والذكر اللساني أحد وسائله، فتشغلهم الوسيلة عن المقصود. وليس ذلك من هدى من كان- كما تقدم- دائم التفكير. وقد يؤديهم الذكر اللساني بالألوف إلى الإنقطاع عن مجالس العلم والزهد في التعلم فيفوتهم ما قد يكون تعلمه عليهم من فروض الأعيان. وليس من سداد الرأي وفقه الدين إهمال المفروض إشتغالاً بغير المفروض.
ويقابل هذا الغلو في ذكر اللسان ما رآه آخرون من الإقبال على التفكير الأيام والليالي، مع ترك اللسان. وهذا زيغ عن طريق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- في المحافظة على الأذكار اللسانية التي امتلأت كتب الحديث بالترغيب فيها والحثِّ عليها.
فليحذر المؤمن من هذا كله ومن مثله وليتمسك بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإتيان بضروب الذكر الثلاثة كلها منزلاً