ويعتقد أن خدمة الوطن تأتي في الدرجة الأولى، ثم تأتي خدمة الوطن المغربي ثم العربي الإسلامي ثم وطن الإنسانية العام، ولا نستطيع أن نؤدي أية خدمة مثمرة لهذه الأوطان كلها، إلا إذا خدمنا الجزائر ويشبه هذا ببيوت في قرية فبخدمة كل واحد لبيته تصبح القرية سعيدة راقية ومن ضيغ بيته فهو لما سواها أضيع.
يقول: "وأنا أشعر بأن كلَّ مقوِّماتي الشخصية مستمدة منه (الوطن) مباشرة، فأرى من الواجب أن تكون خدماتي أول ما تتصل بشيء تتصل به مباشرة لأنني كلما أردت عملاً وجدتني في حاجة إليه إلى رجاله وماله، وحاله، وآماله، وآلامه" [1].
الواقع أن الأهداف التربوية التي يرمي إليها ابن باديس تتفق مع مذهبه في الإصلاح ومع الواقع الإجتماعي، والحضاري للشعب الجزائري، وهذا ما يفسر لنا تعدد الأهداف التربوية عنده، وتنوع المناشط التي يحقق بها هذه الأهداف، التي يمكن أن نحصرها جميعاً، وأن ترتد كلها إلى هدف واحد أساسي وهو النهضة التي تؤدي إلى الحضارة، وأول خطوة في طريق الحضارة إنما هي تكوين الإنسان وربط أفراد المجتمع في شبكة من العلاقات الإجتماعية لتحقيق هدف مشترك [2] وهذا هو عمل التربية الإجتماعية التي خصص لها حياته كلها، والدليل على ذلك هذا النص: "إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله، إذا كانت لهم قوة، وإنما تكون لهم قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة تفكر وتدبر وتتشاور وتتآزر" [3].
فشرط النهضة عنده إنما هو إيجاد هذه الجماعة القائدة المفكرة التي [1] ج 10 م 12 ص 424 - 428 شوال 1355هـ جانفى 1937م. [2] أنظر كتاب "ميلاد مجتمع" لمالك بن نبي. [3] تفسير آية 62 - 63 من سورة النور.