لقد كان ابن باديس مناظراً مفحماً، ومربياً بناَّءً، ومؤمناً متحمساً، وصوفياً والهاً، ومجتهداً يرجع إلى أصول الإيمان المذهبية، ويفكر في التوفيق بين هذه الأصول توفيقاً عزب عن الأنظار، إبان العصور الأخيرة للتفكير الإسلامي.
وهو كذلك وطني مؤمن تصدَّى عام 1936 لزعيم سياسي نشر مقالاً عنوانه: "أنا فرنسا"، فردَّ عليه ردّاً حامياً قوياًّ.
وعندما انفجرت حوادث قسنطينة الدامية في شهر آب من سنة 1934 وحاولت الإدارة أن تعيد الهدوء والاستقرار كان نصيراً لها، ولكنه لم يقبل هجوماً على الإسلام قام به يهودي منتهكاً حرمة مسجد.
والشعور الوطني المتدفق يغدو لديه فيضاً شعرياً عندما ينظم قصائده التي قُدِّر لها أن تعيد إلى الشعب الجزائري أبعاده الحقيقية في التاريخ الإسلامي، في فترة كان أطفال الجزائر يدرَّسون ويعلَّمون تاريخ "أجدادنا الغاليين".
وفوق ذلك فقد كان ابن باديس مصلحاً اقترن اسمه وأثره بتاريخ هذا البلد في مرحلة سياسية كانت تعده "للثورة"، وفي هذه الكلمة من المعاني أكثر مما تعودنا أن نفهم.
إنه المصلح الذي استعاد موهبة العالم المسلم كما كانت في عصر ابن تومرت بإفريقيا الشمالية.
فقد كان المغرب يعيش على صورةٍ ما حياة فترة العصر الذي وضعت له حداًّ نهائيّاً دعوة مهدي الأطلس المغربي، وسيف عبد المؤمن.
نحن نعلم أن عصر المرابطين شهد انزلاق الضمير الإسلامي نحو النزعة الفقهية.
فجاء ابن تومرت ارتكاساً لروح الفقهاء الضيقة، ووضعت دعوته الضمير الإسلامي في شريعة القرآن وطريق السنة.