responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 385
عمل من الحرية وهو "الوكالة الشرعية"، وما زال يتبلغ بما يحصله منها محتفظا بإيمانه وحريته وشرف نفسه إلى أن لقي ربّه.
انتُخب عضوًا بالمجلس البلدي مرات متواليات، فكانت ثقة الأمة به في محلّها وكان في حياته النيابية- التي استغرقت بضع عشرة سنة من عمره- مثال الصدق والإخلاص وأداء الواجب، لم يدنس شرفه بمطمع ولم يغمس يده في دنيئة، مع رقة حاله وكثرة عياله، وكان طاهر العقيدة متينها في دينه، صائب الرأي سديد التفكير في الشؤون الدينية العامة. سمعتُ من فيه- رحمه الله- أن التعاليم المدرسية الحكومية أثّرت في نفسه تأثيرًا سيئًا كانت نتيجته الإلحاد، ولكن هذه الغمرة انجلت عنه سريعًا، وتلتها غمرة تألم مطبقة، ولما لم يجد أمامه مظهرًا إلا النحلة الدرقاوية انتحلها وغرق فيها إلى الأذنين، ولكنه أدرك بفكرته السليمة فسادها ومُنافاتها لدين الحق، فانتشل نفسه من تلك الوهدة، وبقي يرقب فجر الهدى حتى انبلج فجر نوره بظهور الحركة الإصلاحية على يد جمعية العلماء، فكان الرجوع إلى مبادئها خاتمة المطاف لنفسه التواقة إلى الحق.
...

كان يوم دفنه يومًا مشهودًا، فقد مشى في جنازته زملاؤه النواب من مسلمين وأوروبيين ونائبا شيخ المدينة ونائب عامل عمالة وهران بتلمسان وكثيرون من موظفي المجلس البلدي، وغمر هؤلاء الرسميين بحر لجي من طبقات الأمة يتقدمهم أعضاء الجمعية الدينية التي كان عضوًا فيها، وشعبة جمعية العلماء التي كان رئيسًا لها، والجميع واجمون مطرقون كأن على رؤوسهم الطير، تأدّبًا بآداب السنّة المطهرة.
فبهذه المناسبة نُعلن البشرى لإخواننا المصلحين بأن إقامة الجنائز على منهاج السنّة الشريفة توطدت بتلمسان، وغلبت على بِدَع الطرقية، وانتصرت انتصارًا حاسما بعد صراع عنيف وثبات من المصلحين مجيد.
ولما وصلت تلك الجموع إلى مصلّى المقبرة اصطفت الصفوف وتقدم للصلاة عليه محمد البشير الإبراهيمي، وبعد الصلاة تحلقت أفواج الخلائق وهو قائم على الجثمان لم يبرح مكانه، فتقدم الأستاذ عبد السلام طالب النائب المالي والعمالي وتلا خطبة مختصرة بالعربية، وتقدم بعده نائب شيخ المدينة فارتجل خطابًا مؤثّرًا بالفرنسية باسم مدينة تلمسان.
ولم يسبق للإبراهيمي أن خطب على جنازة منذ دخل تلمسان لعدم تأتّي المناسبة، وكان في هذا المشهد بادي التأثر، دامع العين، خاشع الطرف، حزين الملامح، فدفعه ذلك التأثر بالمشهد المحزن، بعد أن رمقته العيون من كل جانب، إلى ارتجال خطبة أسالت المدامع

اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 385
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست