responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 170
ومن مكرها الكُبَّار أن تعمد إلى العلماء وهم ألسنة الإسلام المنافحة عنه فترميها بالشلل والخرس، وتصرفها في غير ما خلقت له. فقد ابتلت هذه الطرق علماء الأمة في القديم بوساوسها وأوهامها حتى سكتوا لها عن باطلها، ثم لم تكتف منهم بالسكوت بل تقاضتهم الاقرار لها والتنويه والتمجيد، وابتلتهم في الحديث بدريهماتها ولقمها حتى زادوا على السكوت والاقرار الاتباع والانتساب، والوقوف بالأعتاب. حتى أصبحنا نرى العالم المؤلف يعرف نفسه للناس في صدر تأليفه بمثل قوله: فلان المالكي مذهبا الأشعري عقيدة التيجاني طريقة. وفي وقتنا هذا بلغ الحال بالطرق أنها أذلت العلماء إذلالًا واستعبدتهم استعبادًا. ولم ترض منهم بما رضيه سلفها من سلفهم من حفظ الرسم واللقب وإبقاء السمة والمكانة بين العامة، بل أغرت العامة بتحقيرهم وإذلالهم.
...

وإذا كان الناظر في أحوال المسلمين ممن رزق ملكة التعليل وأراد إرجاع كل شيء إلى أصله الأصيل ومنبته الأول، فإنه لا يعسر عليه أن يرجع أمهات علل المسلمين الدينية والاجتماعية إلى هذه الطرقية الكاذبة الخاطئة، التي أصبحت من قرون فكرة تسود العالم الإسلامي وتتحكم في دينه ودنياه، وتتدخل في حياته وسياسته ثم تستحكم في طباعه، فإذا هو في غمرة من الذهول مطبقة أضاع معها آخرته ودنياه.
إن أعظم مصيبة أصابت المسلمين- وهي جفاؤهم للقرآن وحرمانهم من هديه وآدابه- منشؤها من الطرق. فهي التي غشَّت المسلمين لأول ما طاف بهم طائفها. وغشيتهم بهذه الروح الخبيثة روح التزهيد في القرآن. وكيف لا يزهد المسلمون في القرآن وكل ما فيه من فوائد وخيرات وبركات قد انتزعتها منه الطرق، وجردته منها ووضعته في أورادها المبتدعة، ورسومها المخترعة، ونحلته شيوخها ومقدميها وصعاليكها؟
ولماذا يعنِّي الناس أنفسهم في فهم القرآن وتدبره، وحمل النفس على التخلق بأخلاقه والوقوف عند حدوده، إذا كان كل ما يناله منه- مع هذا التعب- يجده في الطريق عفوًا بلا تعب وبلا سبب أو بأيسر سبب.
فإذا كان هذا القرآن يفيد معرفة الله- وهي أعلى مطلب- فالقوم عارفون بالله، وإن لم يدخلوا كتّابًا، ولم يقرأوا كتابًا. وكل من ينتسب إليهم فهو عارف بالله بمجرد الانتساب أو بمجرد اللحظة من شيخه. وقد كان قدماؤهم يتخذون من مراحل التربية مدارج للوصول إلى معرفة الله فيما يزعمون وفي ذلك تطويل للمسافة وإشعار بأن المطلوب شاق. حتى جاء الدجال ابن عليوه واتباعه بالخاطئة، فأدخلوا تنقيحات على الطريق ورسومًا أملاها عليهم

اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 170
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست