responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 153
ومن مميزات هذا الطور الذي نحن فيه، اقتران العلم بعزة النفس والعزوف عن الدنايا، والتخلّق بمحامد الأخلاق وإظهار صولة العلم في مواقف الدفاع عن الحق، وهي صفات لازمة للعلم، فمن عجز عن جمعها معه في نفسه كان علمه وبالًا عليه.
وإن هذه ميزة ما كنا نعرفها في الطبقة التي أدركناها من العلماء إلا قليلًا.
وإن جمعية العلماء تفتخر بأن هذه الميزة الأخلاقية هي الصفة الغالبة على رجالها، وأنها أول مظهر ظهروا به على الأيام، ثم امتحنتهم الأيام فلم يزدهم ذلك إلا اعتصامًا بهذه الخلال، ولم يزدهم ذلك الاعتصام إلا إجلالًا ومهابة، وقد نبزهم خصومهم بكل نقيصة حتى إذا وصلوا من قائمة النقائص إلى سقوط الهمّة والطمع والمداهنة في الحق جمجموا، فإن تقوَّلوا فيها أتوا بالهذر الذي يردّه العدو قبل الصديق.
ومن مميزات هذا الطور العلمي إتقان اللغة العربية علمًا وتعليمًا، وإجادتها تكلّمًا وكتابة وخطابة، فقد قامت هذه النهضة على ألسنة تنثر الدر من العلم، وألسنة تنفث السحر من البيان وأقلام تسيل رحمة في مواطن الرحمة، وتمجّ السمام أو تنثر السهام في مواطن الغضب للحق والذود عن الحق.
وقد كانت لدروس الأخ الأستاذ ابن باديس- ولا نكران للحق- أقوى الآثار في تكوين هذه الملكات وتقويم هذه الألسنة وتثقيف هذه الرماح. فمن تلامذته كتّاب القطر اليوم، ومن تلامذته شعراء القطر اليوم، ومن تلامذته المفكرون والدعاة الذين هم دعائم الحركة الإصلاحية.
وقد أصبح الطراز الأدبي الجزائري طرازًا مستقلًا يُحْتَذى ولا يَحتذي، ليست عليه مسحة التآثر والمحاكاة، وإذا كانت ناشئتنا متأثّرة بالتعاليم الزيتونية فإن ذلك التأثر لم يجاوز العلميات أما الأدبيات فلا.

إخواني الأعزاء،
بقيت عدة نواح عقلية روحية هي من مميزات هذا الطور العلمي الذي نحن فيه لم أشأ أن أقدّمها لكم بتراء مشوّهة لضيق الوقت.
وبقيت عدة جهات عملية نظامية هي في باب الإصلاح العلمي أدخل منها في عرض الحالة العلمية، وقد أشرنا إليها في عرض الحديث المتقدم.
ولعلّكم سمعتم ما يحمل محمل الإطراء لحالتنا والتنقيص لما سبقها؛ وهو أمر لا محيد عنه في باب الموازنة بين حالين.
ونحن في هذه الكلمة نزن حاضرًا بماضٍ، ولو كنا نزن حالنا بما يجب أن نكون عليه لكان لنا نحو آخر من القول ننحوه، ولكان حقًا علينا أن نذكر النقائص والعيوب، ولكان نقصًا ما سمّيناه اليوم كمالًا.

اسم الکتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي المؤلف : البشير الإبراهيمي    الجزء : 1  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست