اسم الکتاب : جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 7
الصفحة 7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[عمود:1]ـ
أيها الإخوان، إن جمعيتكم جامعة للناس فيما تفرقوا فيه من دين الله وهادية لهم فيما ضلوا فيه من سبيله وقد عرف الناس حقيقتها ولكن نجا أقوام وهلك آخرون، وإذا كان في استطاعة الجمعية أن تعظ وترشد فليس في استطاعتها أن تخلق التوفيق في نفوس كتب لها الضلال وما التوفيق إلا من الله وإن جمعيتكم هذه من الأمة وإلى الأمة وكل ما لها أو عليها فهو للأمة وعليها. وإنما قام بحمل أمانتها إخوانكم أعضاء مجلس الإدارة فقاموا بواجب أشهد بثقله وأشهد بأنهم قاموا به خير قيام وأنهم لا يرجون من الأمة إلا أن تعرف ما يدعون إليه عن بصيرة فتتبعه عن بصيرة وإنما يدعونها إلى واضح لا إلى مشتبه، وإلى حق لا إلى باطل وإلى هدى لا إلى ضلال وإنما يدعونها إلى الأعلام الهادية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهدي السلف الصالح من أمته رضي الله تعالى عنهم - يدعونها إلى هذا من أمور دينها ويدعونها إلى مجاراة السابقين في الحياة وأخذ حظها موفورا من أسباب الحياة لتكون حية بدينها وحية في دنياها ولتكون سعيدة فيهما.
إن جمعيتكم تفخر بأنها قامت بإحياء فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وقت قل القائمون فيه بهاتين الفريضتين, وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما مرجع الفضائل الإسلامية ومنبعها، وقامت بإحياء هدي سلفنا الصالح في وقت طمت فيه البدع والأهواء على ذلك الهدي حتى خيف عليه الاندثار. وإن أول من رفع صوته بكلمة الحق في هذا الوطن وبلزوم الرجوع من بنيات الطريق إلى نهج الإسلام الواضح وبوجوب التماس الهداية من كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أثر عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم - هم رجال هذه الجمعية قبل أن تكون الجمعية جمعية - فلهم الفضل يوم كانوا فرادى مستضعفين ولهم الفضل يوم مدوا أيديهم إلى بعضهم فأصبحوا أقوياء متعاونين وللأمة الفضل يوم سمعت نداء الحق فاستجابت ولها الفضل حين تشابهت السبل فما شكت وما استرابت ولها البشر من الله
ـ[عمود2]ـ
حين غاب المخلفون عن مشهد الحق فما غابت.
إن جمعيتكم جمعية علمية دينية تدعو إلى العلم النافع وتنشره وتعين عليه وتدعو إلى الدين الخالص وتبينه وتعمل لتثبيته وتقوية وازعه في نفوس هذه الأمة فوظيفتها هي وظيفة المعلم المرشد الناصح في تعليمه وإرشاده - الذي لا يبتغي من وراء عمله أجرا ولا محمدة وقد أراد إخوانكم رجال مجلس إدارة الجمعية - وهم حاملو فكرة الإصلاح الديني والعاملون لها والمنفقون لأوقاتهم في سبيلها أرادوا أن يكونوا أمثلة للأجيال المقبلة، في التضحية في الثبات على الحق في الجهر به وكما كانوا أمثلة فقد ضربوا الأمثال بأعمالهم وها هي دروسهم في جهات القطر ينبع منها التفسير الصحيح لكتاب الله والتأويل الحقيقي لكلام نبيه والشرح الكاشف لهدي السلف الصالح من أمته، وهذه محاضراتهم في جهات القطر تتدفق منها البلاغة العربية وتتجلى فيها أسرار الله في خلقه وتنكشف فيها حقائق هذا الكون ويعرض فيها داء هذه الأمة ودواؤها وها هم أولاء يحملون الأمانة الإسلامية فيحسنون حملها ويؤدونها فيحسنون تأديتها ويحملون الأمانة العلمية فكل شيء عندهم بدليله، وكل شيء يطلب من سبيله.
وهذه منشوراتهم في الصحف وعليها مسحة من نفوسهم: تبيين محكم، ورد مفحم، وحجاج مقنع.
هذه وسائلهم الثلاث التي سلكوها وسمحت بها الظروف إلى ساعتكم هذه، والتي نرجو لها بفضل الله وبهمتكم - أيها الإخوان - أن تزداد كل يوم رقيا وتقدما.
أيها الإخوان - إننا نعمل في النهار الضاحي والليل المقمر لمبدأ لا يقل عنهما وضوحا واستنارة بوسائل لا تقل وضوحا واستنارة كذلك فلا نعجب لمن يعارض ويكائد ويماري ولكننا نعجب لأنفسنا ولكم إذا أقمنا لتلك المعارضات والمكائد وزنا أو شغلنا بها حيزا من نفوسنا أو أضعنا فيها حصة من أوقاتنا وإن أدنى ما يغنمه المبطل أن يضيع الوقت على المحق - وإنني
ـ[عمود3]ـ
أوصيكم ونفسي في هذا المقام بأن يكون في حقكم شاغل لكم عن باطل المبطلين فإذا قام حقكم واستوى قضيتم على المبطلين وباطلهم وإننا نشهد الله والمنصفين من الأمة على أننا ماضون في بيان الحق وأن مبدأنا الإصلاحي التهذيبي قد ملك علينا حواسنا وأوقاتنا، فإذا بدر منا في بعض الأوقات كلام على باطل المبطلين فليس ذلك عن قصد له وحفل به ولكن لأنه صادمنا وتوقف إثبات حقنا على نفيه.
وما حيلة من يسلك سبيلا فتعترضه الصخور حتى لا يجد عنها محيدا - إن الضرورة تقضي عليه أن يجهد في نزعها وإماطتها ثم لا يكون جهده في ذلك إلا كتماديه في السير.
أيها الإخوان إن جمعيتكم تغتبط كل الاغتباط بهذه النتائج التي حصلت عليها في خلال سنتين من عمرها مع ما تخللها من العراقيل والمثبطات وهي تحمد الله على ما وفق إليه وأعان عليه ونشكر الأمة الجزائرية المسلمة على ما بذلت من تنشيط ومساعدة وتعد أكبر مساعدة قدمتها الأمة للجمعية هي عرفانها للحق الذي تدعو إليه - ونسأل الله الهداية لكل من ضل عن الحق، وإن جمعيتكم سائرة في عملها وهي تستقبل سنتها الثالثة بما ختمت به ما قبلها من دعوة إلى العلم الصحيح والدين الخالص راجية أن يكون يومها خيرا من أمسها وغدها خيرا من يومها.
أيها الإخوان -
كثر حديث الناس عن جمعيتكم المباركة وكثر خوض الخائضين فيها مدحا وقدحا، وإن كثرة التحدث عن الشيء لعنوان صادق على الاهتمام به وأن الاهتمام به لآية على إكباره وإعظامه أو - في الأقل - على كبره في نفسه وعظمه في الواقع.
* * *
كثر الحديث عن هذه الجمعية واختلفت منازع المتكلمين فيها وإن جمعية كهذه الجمعية في أمة كهذه الأمة في وطن كالوطن الجزائري لحقيقة بالتنازع فيها واختلاف المنازع في شأنها، وقد اختلفت فيها الأنظار يوم
اسم الکتاب : جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 7