اسم الکتاب : دراسات وتوجيهات إسلامية المؤلف : سحنون، أحمد الجزء : 1 صفحة : 75
يعين الله عليها ولا يتحدى القدر فيطلب المال من غير وجوه الحلال، فإن واهب النعم هو الله ذو الجلال والإكرام، ولا يخطف أبصارنا بريق الذهب الذي نراه في أيدي الظلمة فذلك باب آخر، باب {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} باب {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} باب تسمين الشاة للذبح كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} وقد علم الله دبيب هذا الخاطر من خلقه فردهم عنه بقوله: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. وإذا كان الرامي هو الله، والإنسان ليس إلا آلة لهذا الرمي فكيف لا تنتصر القلة على الكثرة وكيف لا ينتصر الحق على الباطل وكيف لا ينتصر الإيمان على الشرك في يوم بدر؟ ومن هنا أيضا نفهم معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}. ونفهم السر في المدد الإلاهي بإنزال الملائكة ومشاركتهم في القتال لأن المعركة إنما هي معركة الحق والباطل ولأن مديرها هو الله الذي يـ {قْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} ونفهم السر كذلك في قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} لأن هذه الفئة القليلة هي حزب الله الذي يقاتل لإعلاء كلمة الله، وهذه الفئة الكثيرة حزب الشيطان الذي يقاتل ليجعل كلمة الله هي السفلى كلمة الكفر هي العليا، وغزوة بدر هي الغزوة الكبرى التي تلاقي فيها الحزبان حزب الله وحزب الشيطان- وجها لوجه- وظهر فيها الجندان- جند الحق وجند الباطل - متقابلين، جند الحق بقلة عدده وضعف عدته، وجند الباطل بكثره عدده وقوة عدته، حتى أشفق قائد جند الله- صلى الله عليه وسلم- أن يكون لكثرة العدد وقوة العدة تأثير في الموقف فاتجه ببصره إلى السماء- قبلة الدعاء- وتضرع إلى الله قائلا في لهفة وتأثر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فإنك لا تعبد في الأرض بعد اليوم" وما زال مستغرقا في دعائه حتى قال له أبو بكر رضي الله عنه: بعض منا شدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك، وأغفى صلى الله عليه وسلم ثم انتبه وهو يقول: "أبشر أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده في ثنايا النقع" ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم على القتال وقال: "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة" وسرى هتاف الرسول في نفوس جنود الإسلام مسرى الكهرباء في الأجسام وتهافتوا على حياض المنية في شوق ولهفة حتى ظهرت المعجزه وانتصرت القلة العزلاء إلا من الإيمان على الكثرة المسلحة إلا من الإيمان،
اسم الکتاب : دراسات وتوجيهات إسلامية المؤلف : سحنون، أحمد الجزء : 1 صفحة : 75