responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دراسات وتوجيهات إسلامية المؤلف : سحنون، أحمد    الجزء : 1  صفحة : 260
عمر ضائع
كلما قمت من آخر الليل لأمضي إلى المسجد يصادفني- دائما- رجل إفرنجي في منتصف العمر يتجول مع رفيق له لا يكاد يفارقه، وليس هذا الرفيق غير كلب أسود قصير القوائم غزير الشعر، فطفرت دمعة حرى من عيني، على غير شعور مني، وقلت: هكذا يكون الحب، فإن المحب الصادق لا ينام عن حبيبه، ولا يصبر عنه ساعة من ليل أو نهار، ثم قلت: هذا رجل كافر لم ينفذ نور الإيمان إلى قلبه، يهجر نومه ليخلو إلى كلبه، وينعم بحبه، فكيف لا يهجر المؤمن نومه ويخلو إلى ربه؟ أيفي الكافر لكلبه، ولا يفي المؤمن لربه؟ وسرعان ما طفر بي خيالي إلى أجواء غير هذه الأجواء، وذكرت تلك النماذج الحية من عباد الله، الذين وصفهم القرآن بقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وبقوله: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}؛ وبقوله: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}.
وقلت: أين هؤلاء اليوم؟ وكيف أختفوا جميعا فلم تقع رلعين على واحد منهم؟ .. فطفرت دمعة أخرى من عيني، على غير شعور مني، إذ علمت أن هذا العصر المادي قد أجدب من أمثال هؤلاء، ولم يبق إلا من يبيتون نياما، لا قياما، وأمواتا لا أحياء، وصدق الشاعر إذ قال:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم … وبقيت في خلف كجلد الأجرب

اسم الکتاب : دراسات وتوجيهات إسلامية المؤلف : سحنون، أحمد    الجزء : 1  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست