responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مجلة التنكيت والتبكيت المؤلف : النديم، عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 47
- 14 -

الوجود وبحثت في مادة قوتها وعناصرها تركيبها التي أقامتها جسداً صحيحاً وأظهرتها إنساناً كاملاً واشتغلت بمعرفة الوقائع وما جرى فيها من المداولات والسياسات الأدبية والاحتياطات التي وقت تلك الأمة من العوارض وقوّت أمرها ورفعت شانها وأشغلت الأفكار بها وأرجفت القلوب وحيرت الألباب وألزمت نفسك معرفة الرابطة التي تأسست عليها والوحدة التي نشأت منها والقطب الذي دارت عليه والغاية التي وصلت إليها لتعلم أأنتَ أنت كما كان آباؤك أم غيرت وبدلت وتركت عاداتهم وتساهلت في معتقداتهم وأهملت سرّهم الجامع ونظامهم البديع حتى رأيت التغيير في نفسك وفعلك وبعدك عن الوصول إلى مدركاتهم ونفور المعالي منك وجهلها إياك فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قال رب الدار: أنا ى أعرف التاريخ ولا البحث فيه لاشتغالي بأمور كثيرة.
قال النبيه: أحسبك تشتغل بالعقليات لتعرف ما كان عليه قومك من السهر في تدوين كتبها وحل مشاكلها وتعب الأجسام في تجربة المخترعات وسبر المبتدعات وما كانوا عليه من القوة في هذه العلوم وماذا ينسب إليهم من الطب الذي هو أساس نظام الحياة ومظهر الصحة وما عرفوه من الهندسة التي هي قاعدة المدنية ودعامة الحصون والمعاقل وما أدركوه من النجوم التي أوصلتهم إلى معرفة الحوادث الجوية والخوارق الكونية فاهتموا بها لافتتاح لحج البحار واكتشاف المجهول من الأقطار والأمم وما وصلوا إليه بالرحلة من معرفة حدود البلاد وعوائد العباد والطرق الوعرة والسهلة ومقدار مساحة الوديان والغابات والممالك وما تفننوا فيه من الآلات الدفاعية والصناعية والزراعية وغيرها حتى عظمت ثروتهم واشتدت سطوتهم وتأيدت قوتهم وما ألفوه من الحكم والآداب والعلوم الابتدائية التهذيبية والبدائع المروضة للنفوس. قال رب الدار: ليس لي إلمام بشيء مما ذكرت. قال النبيه: أتخيل أنها كتب دينية تشتغل بها لتكون على سنن أسلافك ودين آبائك لئلا تفقد حرارة الدم والغيرة التي يولدها الطعن في المذهب وسعي الغير في إعدامه خوفاً منك على وحدة النظام وقاعدة الاجتماع ورهبة من تذبذبك وميلك مع كل ريح فتصبح براء من
مذهبك أجنبياً من غيره فلا تتمكن من الحماية بقومك ولا الالتجاء لغيرهم فلكل أمة مذهب يجمع شتاتهم ويوحد كلمتهم ويبعث فيهم روحاً يحيا به ذكرهم ويدوم مجدهم ويتأيد اتحادهم وتخشى من تغيير مذهبك الذي يذهب بك إلى النفرة وكراهة مواطنك وعداوة أبيك وبغض أخيك وحقد صاحبك وأنفة جارك منك ويميل بك في حضيض لا يرفعك منه إلا إعدام يواريك التراب فيذهب شخصك وينسى ذكرك وينكر أثرك.
قال رب الدار: أن إلا أعرف المذهب إلا سماعاً من أبي وأمي ولا أفقه له معنى غير

اسم الکتاب : مجلة التنكيت والتبكيت المؤلف : النديم، عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 47
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست