responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مجلة التنكيت والتبكيت المؤلف : النديم، عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 240
- 206 -

إضاعة اللغة تسلم للذات
وقد قرر المؤرخ الطبيعي لامرك الفرنساوي إن الوظيفة تكون العضو وكان الطبيعيون من قبله يقولون إن العضو يكون الوظيفة فيحكمون على أن اليد هي التي تكون الحركة واللسان هو الذي يكون الكلام والعين هي التي تكون الأبصار وهكذا ولكن تحقيقات لامرك ومجرياته عكست هذا القول وأثبتت إن الوظيفة هي التي تكون العضو فأن اليد إذا أمسكناها ومنعناها من الحركة زمناً لتشنجت واحتاجت لعلاج يلينها حتى تتحرك ولو سلمناها للحركة لحفظت لها لينها واستقامة حركتها والحركة هي الوظيفة التي تكونها أي تظهر خاصتها وتديم استعدادها للوظيفة واللسان إذا ترك بلا تكلم مع صاحبه ولا تعليم للغة كان عضواً معطلاً فإذا أستعمل في وظيفته ظهر وعلم وعرفت ثمرته فالوظيفة هي التي كونته وأظهرت المعاني القائمة بالألفاظ المنبعثة من الانفعال الجسماني ولهذا أشرت بقولي في خصائص اللغة. إنها سر الحياة والحد الفارق بين الإنسان والبهيم بها يترجم اللسان خواطر القلب الى آخره. ومما ذكرته تعلم إن اللغة تصير بالصناعة ملكة للإنسان باعتبار المدارك الجسمانية وإنساناً باعتبار قيامها بالأنفعالات الجسمانية والروحانية وترجمتها المدركات الحاصلة الحواس والقوى الدماغية والتصورات العالية المجردة عن الانفعال الجسماني وليعلم إن الصناعة الكلام غير اللغة فإن الرفع والنصب مثلا تقوم بها الألفاظ وتحفظها من الخطاء ولكن لا تساعدك هذه الوسائل الصناعية على إتقان اللغة والمخاطبة
إذا كانت مجردة عن بدائع اللغة فكم من نحوي لا تغيب عنه قاعدة من قواعد النحو لو كلف كتابة جواب او عبارة صحيحة لأخطاء في الرسم وخرج عن حد الإنشاء كما إن اللغة وإن صارت ملكة لا تؤدي معاني صناعة الكلام إلا إذا أخذها الطفل عن والديه على أصولها فيوافق بنطقه صاحب صناعة الكلام وإن كان لا يدرك القواعد الصناعية فالصناعة إذاً ملكة اللسان غير ملكة اللغة وهي بمقام لغة أخرى في اللسان ومن هذا نعلم إن النصب والرفع وضرب زيد ومات عمرو ليس من اللغة في شئ لاستقلاله بنفسه فأنك ترى الأعجمي إذا لزم فن النحو أتقنه وهو لا يعرف العربية او لغة غير لغة وتري ساكن نجد ينطق بالعربية الصحيحة واللغة الحقة وهو لا يعرف من النحو زيداً ولا عمراًُ
وناصير أهل الأمصار محتاجين الى صناعة الكلام لتقويم الألفاظ بها إلا اختلاطهم ومزج لغتهم بغيرها ففقرها وصبروها لغة اصطلاحية لا يستدل على أصلها إلا بالمحفوظ في الكتب ولا يقومونها إلا بعلم الصناعة وقد أضاعوا ذاتهم الملكية وسلموها للغة واستعلموا غيره من اللغات فقدموا الجنسية رأسا وتجنسوا باللغة التي سيتعلمونها وسلموا ذاتهم لانفعالاتها الجسمانية والروحانية والانفعالات تصير الجسم

اسم الکتاب : مجلة التنكيت والتبكيت المؤلف : النديم، عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست