responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 4 المؤلف : ملتقى أهل الحديث    الجزء : 1  صفحة : 212
فأنت تقلّدُهم في الحكم على الرّاوي، وتخالفهم في الدّليل، وتقبل بلا حجّة تجريحهم والتعديل، لأنّك ما علمت أين يحومون، ولم تدرِ عمَّ يصدرون.

فإذا وجدت كلامهم على الإسناد قلت محال وباطل، وجرّأك عليه أنّك تعلم ظاهرًا من المصطلح وأنت عن العلل غافل.

فلمّا قالوا في شيء من حديث الثقة هذا من وهمه وتخليطه، نازعتهم متحذلقًا بأنّه ثقة لا دليل على تغليطِه، ولم تأتِ بتوثيقه من كيسِك، ولم تنقله عن إمامك ورئيسِك، وإنّما استبضعت دقل التمر إلى هجَر والقصيم، وزوّرت الحليّ على صانعه العليم.

وكلّ ما في الأمْر، وإن أعماك عنه السُّكر: أنّه وثّقه لغلبة صوابه بعد أن تتبّع، وعلّل ما غلط فيه ممّا بان حال التتبُّع.

فتتبّعه دليل واحد دلّ على حكمين: ثقة الراوي، وتغليطه، قكذّبت بما لم تُحِط بعلمِه، وقلّدته في نصف دعواه، وشطر حُكمِه.

قال: قولك يشبه الصّواب، وربّ سمٍّ في الشّهد مذاب، فأزل ملتبس الأمر، بحجّة تثلج وحرَ الصّدر.

0قلت: سألت نصَفًا، وما قلت فنَدًا ولا خرفًا، وحقٌّ لطالب الحجّة بتجرُّد، أن يعطى سؤله ولا يُحرَد.

أرأيت قولك الّذي ردّدته وما فهمته، ثمّ بالتّحقيق وسمتَه: لا نغلِّط الرّاوي إلاّ ببيّنة.

قاطعني فقال، وهو يبري النِّصال: وآخر بدعِكُم يا منتحلي منهج المتقدّمين، أنْ أنكرتم هذه القاعدة من قواعد الدين؟!

قلت: روَيدَكَ فما أنكرناها، وإنّما اجتنبنا إهمالها وأعملناها، وقيّدناها بقيدٍ متّفقٍ على أصلِه، وإسنادٍ مجمعٍ على صحّته ووصله.

بل إهمالها حقّ الإهمال، ما تدعو إليه من أقوال، وستزول الشُّبهة التي معَك، إذا ناولتني وأنت شهيد مسمعَك.

قال: هاتِ وناول، فكلامك بالحقِّ أشبه منه بالباطل.

قلت: هذه البيّنة التي تطلبها على تغليط الراوي، هل لك أن تضرب لها مثلاً، وسنضرب لك في طلبها أجلاً؟

قال: والله إنه لأمر عجب، فإنّها ما خطرت ببالي على كثرة بحثي في الحديث واشتغالي بالكتب.

عاجلته الجواب، وقد بدا غسق الصواب: أما رأيت كيف عطّلتم هذا الحكم وغرضكم تحرّيه، كما عطّل الجهميّة الصفات بحجّة التنزيه؟

أتريدون في غلط الثقة شاهدين عدلينِ يشهدان أن فلان بن فلان غلط في هذا الحديث؟

أم تجتزئون بشاهدٍ ويمين؟!

أما استغربتم حين أصّلتم فأغربتم: أنّ الراوي الثقة لا يغلط عندكم أبدًا؟ هبه سلّم لكم في سفيان وشعبة؟ فكيف تطردون هذا الأصل حتّى في الصدوق ومن خفّ ضبطه؟

- أليس من سنّة الفقهاء أنّ بيِّنَةَ كُلِّ شَيءٍ بحسبه؟ والبيّنة كلّ ما يبيّن الحقَّ ويوضحه كما ذكر ابن القيم.

- ألم يعمل القضاة والحكّام في أصول الأحكام بالقرائن القويّة إذا عدموا البيّنة أو كانت خفيّة؟

- أليست تقبل شهادة القابلة في ثبوت الفراش والنسب؟

- وشهادةُ الصِّبْيَان في جراحاتهم إذا لم يتفرّقوا على الصّحيح الّذي ذهب إليه جمع من المحقّقين؟

ألا يكفيك من البيّنة على غلط الراوي أنّ أعرف النّاس به، وهو الّذي قبلت توثيقه له دون سؤال عن سببه، أخبرك أنّه غلِط؟

ألم ترَ البيّنة بيّنةً حين جاء الثّقة إلى شيخٍ حافظٍ له أصحابٌ حفَّاظ، يلازمونه الليل والنهار لا يفترون، ويضبطون حديثه كتابًا ويحفظون، ثمّ روى عنه ما لم يروه غيره دون أن يشاركهم في حديثه المشهور؟

ألم ترَه روى الحديث بأصحّ إسناد وأشهر، ورواه أصحاب الشيخ بإسناد غريب مستنكر؟

أتُراهم أعرضوا عن صحيح حديث شيخهم وتتّبعوا مناكيره؟ أم عرفوا نوادر مرويِّه وجهلوا مشاهيره؟

قاطعني فقال: حقٌّ ما تقُول، وثابتٌ ثمّ مقبول، فأنا راجع عمّا كُنتُ عليه، قابلٌ ما دعوتني إليه، فلا أفتأ مقلِّدًا للحفّاظ، واقفًا عند معانيهم والألفاظ، لا أحاول مخالفَتَهُم، ولا أسألهم أدلَّتَهُم.

فقلت مهلاً مهلاً، فقد بنيت أصلاً وهدمت أصلاً.

لسنا ندعوك إلى التقليد، ولا نعود على الاجتهاد بالتقييد؛ لكنّ في الأمر طريقةً وسطًا، لا تقبل زيغًا ولا شططًا.

إنّ للحفّاظ طريقة يختطّونها، ومنهجًا يحملون رحالهم فيه ويحطّونها، يتبع آخرُهم الأُلّ، ويجتمع عليه الكلّ.

وللطريق رواحلُ لا تقطع إلا بها، ومراحلُ ترتحلُ في طلبِها، فإن أصبتها فبها، وإن كنت راجلاً فترجّل عن دربِها.

¥

اسم الکتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 4 المؤلف : ملتقى أهل الحديث    الجزء : 1  صفحة : 212
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست