responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 98
وهذه السيادة لا يخرمها ظلم ظالم، ولا استبداد أحدٍ باسم الشريعة؛ فالشريعة ما شرع الله، لا ما نسبه أهل الأهواء والظلم إلى شريعة الله؛ ولذلك جاءت النصوص الصريحة في تجريم الجور، وتحريم الظلم، ومن ذلك الوعيد لبعض القضاة من أهل الإسلام بالنار، لتجاوزهم سيادة الشريعة، وحكمهم بالجهل فضلاً عن تعمد الظلم. حيث تقاس شرعية أعمال الدولة بمدى التزامها بسيادة الشريعة. ولا تكون أخطاء الدولة العارضة فضلاً عن جورها المتعمد، حكماً على الإسلام وسيادة شريعته.
5 - ولمَّا كانت طريقة أهل الإسلام في نظر المسائل المحدثات تنطلق من منهج الإسلام ذاته؛ وذلك من خلال: ردّ ومحاكمة كل مسألةٍ، إلى الكتاب والسنة وفق أصول الاستنباط الصحيح؛ فما لم يتنازع المسلمون في حكمه قبولاً أو ردّاً، فهو الإجماع الشرعي المعتبر؛ وما تنازع المؤهّلون للاجتهاد في حكمه فهي التعددية الفقهية السائغة، تكون محلّ مناقشة وتدارس بين أهل العلم لا محل تجريم؛ وما كان محلّ تفصيل فصّلوا فيه.
لمّا كان ذلك كذلك، تمت محاكمة الديمقراطيات الحديثة، المتفرعة عن نظرية سيادة الأمّة ثم نظرية سيادة الشعب؛ إذ اتفق المؤهّلون من أهل العلم بالشريعة على رفض فلسفتها وأيديولوجيتها المخالفة للشريعة؛ ورأى جمهورهم التفصيل في آلياتها، لإمكان الفصل بين الأمرين.
وبناء على رأي جمهور فقهاء العصر في مشروعية التدرج في تطبيق العدل الإسلامي (الشريعة الإسلامية)، تمت مشاركة الحركات الإسلامية بالدول العلمانية في العمل السياسي ببلادهم، مفيدين من آليات الديمقراطية فيها؛ إذ لا خيار مستطاعٍ لهم فيها إلا سلوك هذه الطريق، التي تساهم في تخفيف منكر الحكم بغير ما أنزل الله شيئاً فشيئاً بالأدوات السلمية الممكنة.
وللأسف أن ثمة من عكس العملية في عالمنا العربي والإسلامي؛ فعمل على ما يؤدي إلى استخدام آليات الديمقراطية في ترسيخ فلسفتها المتفق على بطلانها شرعا. وهذا ظاهر في تقديم فلسفة الديمقراطية المناقضة للإسلام، على الإسلام ذاته، من خلال عزل الشريعة عن العقيدة، وتجاوز تلازمهما المتقرِّر شرعاً بادعاء عدم لزوم الحكم بها في حالةٍ ما، والتعامل مع الشريعة كما لو كانت قوانين بشرية مدنية تقبل الاستفتاء عليها بنعم أو لا؟!
وقد بيّن الشيخ مصطفى صبري رحمه الله أنَّ ادعاء عدم لزوم الشريعة فرع عن القول بمبدأ (فصل الدين عن السياسة) العلماني، إذ قال رحمه الله: "القول بفصل الدين عن السياسة معناه: ادِّعاء عدم لزوم الدين للحكومة ... ومعنى عدم لزومه للحكومة: ألا يكون له - أي للدين - سلطة عليها، ورقابة على أعمالها كما كانت للحكومة سلطة على الأمّة، ورقابة على أعمالها " [1].
بل وصفها في الحالة الإسلامية: " إعلان استقلال من الحكومة التي كانت تابعة في أحكامها لأحكام الإسلام ضدّ متبوعها، وهو لا يقلّ في المعنى عن إعلان الحرب؛ لتمرّدها على متبوعها وخروجها عن طاعته " [2].
6 - وقبل ختام هذه المقالة أذكر ما دوّنه بحرقة أحد شهود الحقبة التي أثيرت فيها شبهة سيادة الأمّة، وهو أستاذ أساتذتنا في القانون الدستوري الدكتور/عبد الحميد متولي رحمه الله، إذ يقول، منتقداً من ينسبون (مبدأ سيادة الأمَّة) إلى الإسلام:

[1] موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعبادة المرسلين، له: 4/ 281.
[2] المصدر السابق:4/ 283.
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست