responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 79
فإذا كانت الأمة لها الحرية والحق في اختيار الشريعة [منظومة القيم والمبادئ الإسلامية كمرجعية عليا وإطارا للتشريع والقوانين] أو نبذها، فكيف لا يكون "الشعب هو معيار المبادئ والقيم والأخلاق"؟! وهو نفسه المعيار في تحديد المرجعية نفسها، وهي مرجعية الأخلاق والقانون! وحينما يُقال: إن "معرفة الحلال والحرام في الإسلام لا تكون من خلال الاستفتاء الشعبي وإنما من خلال مصادر التشريع في الإسلام وعلى رأسها الكتاب والسنة". فما المقصود من هذا الكلام؟
نحن بين خيارين اثنين:
الأول: أن يكون هذا الكلام مجرد محاولة تعريف القارئ أنَّ الحلال والحرام في الإسلام يكون من خلال الكتاب والسنة، وهذا في الحقيقة تعريف للمعروف لا فائدة منه.
والثاني: أن يكون الكلام تقريرًا لكون الاستفتاء الشعبي ليس مصدرًا للحلال والحرام عند المسلمين أنفسهم، ومن ثمة فلا يجوز للأمة أن تختار منظومة القيم والمبادئ المخالفة للإسلام كمرجعية عليا وإطارا للتشريع والقوانين. فإذا تقرر هذا فقد نُقض الكلام كله ومن أساسه!
إنَّ القوانين إنما تصدر في أغراضها وغاياتها عن القيم والمبادئ الأخلاقية، فمحيط القانون جزء من محيط الأخلاق، أو كما أوضح "مونتيسكيو" في كتابه "روح القوانين" أن الشرائع في كل مجتمع وليدة عاداته وهي مصدره. فالقوانين تأتي لتنقل القيمة أو الخلق إلى حيز التنفيذ أو الاحترام أو الاعتبار. وعليه، فإن من شرَّعَ قانوناً يحرِّمُ أمراً ما، فمن المفترض أنه يفعل هذا لأنه رأى هذا الأمر قبيحاً يستحق الحظر والمنع. فمن هنا صار الذي يعلق التشريعات على نتائج التصويت قد أعطى الناسِ حقَّ التحريم والتحليل، وجعلهم هم المرجع في تعيين الحلال والحرام على مستوى الجماعة.
إن مبدأ "سيادة الأمة" ليس مبدأ إسلاميًا من الأساس، بل هو من مبادئ الأنظمة الوضعية التي أعطت "الحاكمية العليا" "للأمة = الأكثرية"، وهذا ما يتصادم مع الإسلام. ولما لم تكن أوروبا المسيحية محكومة "بسيادة الشريعة"، فقد كانت محكومة "بسيادة الكنيسة" أو"سيادة الملكيات"، والجميع يدعي الحكم باسم "الحق الإلهي"، فما كان من الشعوب الأوروبية إلا أن استبدلت ذلك بسيادتها على نفسها، وأعطت نفسها صفة الحاكمية المطلقة، فهم الذين يُقررون ويشرعون القوانين، وهم معيار ما هو خُلقي وما هو غير خُلقي، فالشذوذ مثلاً كان غير شرعي لكن الشعب قرر أن يجعله مباحًا فكان مُباحًا، فصار الشعب هو الشريعة.
هذا الواقع الأوروبي المبهر صار له ضحايا من المسلمين، وأصبحوا مرتهنين لمنظمة المفاهيم الغربية، وأصبحت قراءة المراجع الدينية تتم بعيون غربية، حتى يُخيل إليك وأنت تقرأ ما سرد بعضهم من الآيات للتدليل على "سيادة الأمة" وكأنك تقرأ كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرازق وهو يُقرر أنه لا يوجد في الإسلام نظام سياسي للحكم!
قهر الواقع بالإضافة إلى الانبهار بالغرب والنموذج الغربي "أدى إلى هزيمة عقل الأمة ومن العقول المهزومة ظهر فريق يحاول أن يتحد مع المنتصر ويتبنى حضارة الغرب ... كانت الصدمة سببا في الالتحاق بالغرب ونقل قيمه وأفكاره ونموذج حياته، وكانت الدعوة للحرية الغربية تجد طريقها لدى النخبة المثقفة"، كما يقول المفكر المسيحي المصري "رفيق حبيب".

اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست