اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 378
شيوخ بني أمية "طبعة جديدة"!
عبد العزيز العبد اللطيف
26 محرم 1432هـ
سئل عبد الله بن المبارك عن الملوك؟ فقال: الزهاد, قيل: فمن السّفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه, (صفة الصفوة لابن الجوزي 4/ 139)، ولما أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله - فجاء إليه جماعة من شيوخ بني أمية فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو أنه إذا ولّى الله على الناس إماماً تقبل الله منه الحسنات وتجاوز عن السيئات.
قال ابن تيمية: "كثير من أتباع بني أمية - أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب, وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام, بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء, والله أمرهم بذلك .. " (المنهاج 4/ 541) هذه الطاعة العمياء كانت مضرب المثل, فيقال "طاعة شامية"! بل إن الخصوم قد أدركوا ذلك, حتى قال داعي الدولة العباسية "أما أهل الشام فلا يعرفون إلا طاعة بني مروان" (المنتظم لابن الجوزي 7/ 56).
وها هو الحجاج المبير قد استعبدته هذه الطاعة, ثم هو يحاصر عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما - في البلد الحرام, ويصيح قائلاً: يا أهل الشام الله الله في الطاعة! (البداية لابن كثير 8/ 329) , وكان الحجاج - ومعه سيّده عبد الملك بن مروان - يقولان: "ننهى عن ذكر عمر الفاروق - رضي الله عنه - فإنه مرارة للأمراء مفسدة للرعية"! (البداية 9/ 66).
ومن خطب الحجاج: "اسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك". (أخرجه أبو داود 4643)
واستمر الحجاج على إدمان الطاعة العمياء حتى هلك, فقد جاء في وصيته أنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك عليها يحيى, وعليها يموت, وعليها يبعث!! (البداية 9/ 139)
هذه الوثنية السياسية لم يسكت عنها سلف الأمة, فما كان لقمع السطوة الحاكم أن يمنعهم من تبليغ رسالات الله تعالى, فإن الإمام الزهري - رحمه الله - لما سأله الوليد بن عبد الملك عن حديث "إن الله إذا استرعى عبداً الخلافة كتب له الحسنات, ولم يكتب عليه السيئات" , فقال: هذا كذب , ثم تلا قوله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} ص26, فقال الوليد: إن الناس ليغروننا عن ديننا. (فتح الباري 13/ 113)
وكان الحسن البصري - رحمه الله - يقول: سيأتي أمراء يدعون الناس إلى مخالفة السنة فتطيعهم الرعية خوفاً على دنياهم, فعندها سلبهم الله الإيمان، وأورثهم الفقر ونزع منهم الصبر, ولم يأجرهم عليه.
وقال الشعبي: "إذا أطاع الناس سلطانهم فيما يبتدع لهم أخرج الله من قلوبهم الإيمان وأسكنها الرعب".
وقال يونس بن عبيد: "إذا خالف السلطان السنة, وقالت الرعية قد أمرنا بطاعته أسكن الله قلوبهم الشك وأورثهم التطاعن" (الإبانة الصغرى لابن بطة صـ55)
وإن كان هؤلاء الشيوخ قد أضحوا أثراً بعد عين إلا أن داءهم قد استفحل في السنوات الأخيرة, فهناك نماذج أكثر نفاقاً وتملقاً من شيوخ بني أمية, بل صار العقلاء يترحمون على شيوخ بني أمية لما رأوا أفراخهم وورثتهم, وكان الشعبي يقول: " يأتي على الناس زمان يصلّون (يدعون) للحجاج! " فهذا الصنف مصابٌ بالوله للأمراء والهيام بالحكام! فلا يزال لسانه رطباً بذكرهم, ويستهلّ حديثه بتعظيم إمام الزمان, ويختمه بالتسليم والإذعان للسلطان!
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 378