اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 370
كما أن من جوانب البحث المهمة تفعيل دور البحث التاريخي في العلوم؛ فمن المهم أن يُدرَّب المتفقه الجديد على استكشاف الجانب التاريخي للعلوم والمسائل؛ فقد يدرس المتعلم علم الفقه أو غيره؛ لكنه لا يملك دراية كافية بالتطور التاريخي لهذا العلم ومسائله؛ مع أن هذه المعرفة التاريخية لها أثرها الكبير في فتح ذهنية المتفقه إلى إشكالات العلم، وتفريعاته، وأساليب بنائه.
وإن بناء هذه المنهجية البحثية عند المتفقه ستقوده للوصول إلى الصواب الذي يبحث عنه، فإن «من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه» [1].
تنمية مهارة التواصل الفقهي مع الجماهير:
تواصل الفقيه مع الناس من خلال الكتابة أو الحديث المباشر بحاجة إلى مهارات لا بد من امتلاكها، ومن خلالها يمكن أن يوصل الفقيه رسالته للآخرين على أكمل وجه، ومن الزوايا المهمة في هذا الجانب ما يلي:
1 - في الوقت الذي كثرت فيه الشُُّّبه والتشكيك في الأحكام الشرعية فنحن بحاجة إلى لغة الحديث التي تعتمد أسلوب الإقناع بالأحكام إلى جانب التقرير العلمي المجرد، والتي تُبين محاسن التشريع الإسلامي وفلسفته في تقرير أحكامه، بل تتعدى ذلك إلى مقارنته مع أحكام الشرائع الأخرى حتى تظهر سماحة هذا الدين وتميُّزه عن غيره من الديانات. يقول ابن تيمية: «وإنما ننبه على عِظَم المصلحة في ذلك بياناً لحكمة الشرع؛ لأن القلوب إلى ما فهمت حكمته أسرع انقياداً، والنفوس إلى ما تطَّلع على مصلحته أعطش أكباداً» [2].
وربما كان من أخصر الطرق للإقناع - أو حتى الإحراج لمن لا يريد ذلك - أن يستعمل الخطابُ لغة الأرقام والإحصائيات في تأييد بعض الأحكام الشرعية، أو أن يذكر بعض التجارب التي حصلت في بلاد أخرى حول بعض القضايا الشرعية.
2 - ونحن بحاجة في لغة الفقيه الجديد إلى لغة تراعي في حديثها البعد العالمي، وإن مراعاة هذا البعد يعني أن الفقيه لا يكفيه اعتماده على الرصيد الشعبي الذي يجده بين بني قومه، بل لا بد من حديث يستند إلى الأساس العلمي أكثر من استناده إلى الأساس الذاتي الذي يرجع لشخص الفقيه، ويُلْمح ابن تيمية إلى قريب من هذا المعنى؛ حيث يقول: «الاعتماد على الأجوبة العلمية يكون على ما يشترك الناس في علمه، لا يكون بما اختص بعلمه المجيب؛ إلا أن يكون الجواب لمن يصدقه فيما يخبر به» [3].
ومن أجل هذا النوع من العالمية فإننا بحاجة إلى أن نعيد النظر في الأسلوب الذي يعتمد على (اجتماع الجيوش) والذي يجمع صحيح الاستدلال مع ضعيفه من باب تضافر الأدلة، ولنقدِّر له أحواله الخاصة، ولنقتصر في الاستدلال على الاستدلالات الصحيحة، مع استبعاد ما لم يكن كذلك حتى لا يُشَغب عليها. [1] الفتاوى: 13/ 367. [2] الصارم: 3/ 905. [3] الفتاوى: 4/ 168.
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 370