اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 273
حديث عن المستقبل
محمد العبدة
الخميس 3 جمادى الأولى1432هـ
تتسارع الأحداث العالمية في كل يوم، فلا أحد كان يتوقع ما يجري من أحداث في تونس ومصر وقبل هذا لم يتوقع أحد سقوط الإتحاد السوفييتي بهذه السرعة، ولم تطل مدة زهو الغرب بانتصار الليبرالية والرأسمالية، فما لبث صاحب كتاب (نهاية التاريخ) أن تراجع عن هذه الفكرة، ونهاية التاريخ عنده هو استقرار الليبرالية الغربية وأنه لا مرد لها، وسرعان ما أدى اقتصاد (السوق) إلى نتائج غير متوقعة، وبدأت الكوارث الاقتصادية في أوروبا قبل غيرها (اليونان، إيرلندا والبرتغال ... ) وبعد ثورة المعلومات والاتصالات هل يمكننا التحدث عن المستقبل؟
إن أصحاب الدراسات المستقبلية يتكلمون بحذر عندما يطرقون هذا الموضوع، وكانوا في السابق أصحاب جرأة ويتحدثون عن المستقبل البعيد، يقول الخبير العالمي (جون نايسبت): "لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يعرف بالتفصيل ما سوف يحدث بعد خمس سنوات من الآن، إن ذلك يعتمد إلى حد كبير على ما سوف يحدث اليوم، ثم في السنة التي تليها، ثم التي تليها، ويتشكل كل ذلك بملايين المتغيرات"
ورغم هذا الحذر في الحديث عن المستقبل، ورغم واقع المسلمين الضعيف إلا أنه لا بد من التطرق إلى هذا الموضوع، فهناك فرص كثيرة للذين يفكرون أن في استطاعتهم إحداث تغييرات لمصلحة الأمة ثم إن هذا الحديث مما يساعد على بناء الحاضر، وهو من باب الإعداد والتخطيط، وليس من باب الرجم بالغيب، فالمستقبل يعني عدم الإذعان للواقع المرير، وعدم الإذعان للشعور المحبط المأساوي، والمسلم لا يفقد نظرته المتفائلة رغم كثرة الشر، وعندما يذكر القرآن الكريم تداول الأيام بين الناس فإنما يبذر في النفس إحساساً عميقاً من اليقظة التاريخية المستقبلية، والكتاب الكريم عندما يقص علينا قصص الأنبياء، فهو لأخذ العبرة وللإعلام بما ستراه هذه الأمة بعد عصر الرسالة، وفي مستقبل الأيام، والأمة الإسلامية أمة غير منقطعة لأنها موصولة بماض عريق من دعوة الأنبياء.
بعد نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ذهب مع السيدة خديجة رضي الله عنها، ليقص على ورقة بن نوفل ما جرى له في غار حراء، قال ورقة بعد أن سمع من محمد صلى الله عليه وسلم "هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم؟ " قال: "نعم"، ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي. كيف توقع ورقة أن قريش ستخرج محمدا صلى الله عليه وسلم من مكة، لأنه بنى على التجربة السابقة للأنبياء وتحدث عن المستقبل بوثوق وتمكن.
وفي غزوة الأحزاب بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بفتح بلاد كسرى وقيصر، مع أن المسلمين في تلك المعركة كانوا في حالة خوف وزلزلة، ولكنه تداول الأيام وانتصار الحق على الباطل، وكأن المبشرات لا تأتي إلا عند اشتداد الأزمات.
ومن التخطيط للمستقبل من خلال معرفة الواقع ما رواه البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس"، فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجل.
والغاية من هذا الإحصاء هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد معرفة الطاقات والإمكانات الموجودة ليطمئن على ذلك فالتخطيط السليم يبنى على المعلومات الدقيقة.
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 273