اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 264
مشروع الحزب السياسي لإخوان اليوم أقرب ما يكون إلى مشروع أي حزب علماني يعلن عن مبادئ الحق والحرية والعدالة والمساواة، لا كبير فرق بينهم وبينهم.
هل هذا هو المشروع الإخواني الذي طالما سمعناهم يرددونه ملخصا في: الله غايتنا، الإسلام طريقنا، الجهاد سبيلنا، والأبيات التي قالها سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الشهداء:
أخي أنت حرٌّ وراء السدود ... أخي أنت حرٌّ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا ... فماذا يُضيرك كيد العبيد
إنَّ ما نقرأ عنه اليوم في تونس ومصر ليس هو المشروع الإخواني، بل هو مشروع حزب يتبنى فكرة العلمانية الجزئية التي نادى بها المسيري يرحمه الله، ولا قد ينحصر اختلافه عن أي حزب ليبرالي في أن القائمين عليه لهم تاريخ مشرف في الحركة الإسلامية في كل من تونس ومصر، أما أن يُقال: إن ما نقرأه اليوم هو مشروع الإخوان المسلمين فكلا.
بالنسبة لي: لا أعيب على الإخوة الذين تبنوا هذا الطرح السياسي ميلهم إلى أخف الضررين، وأهون المفسدتين، ومحاولة الإصلاح بتقديم التنازلات من قبيل الانحناء للريح، ومحاولة الإصلاح قدر المستطاع, لا أعيب عليهم ذلك، فقد يكون ما فعلوه شيئًا من الحكمة، لكن العيب كل العيب هو أن يُصوروا هذه التنازلات وهذا الارتخاء على أنه هو المنهج الإسلامي في الحكم، ويستدل عليه أحدهم من الكتاب والسنة على أنه مطلب القرآن، وأنه الإسلام الذي ناضلوا منذ الأربعينات الميلادية من أجله.
إذاً ليس من المطابقة للواقع القول: إن ما يُقدمه الإخوان الآن في تونس ومصر هو المشروع الإخواني (الإسلام هو الحل)، وكذلك ما يقوم به الإصلاحيون اليمنيون اليوم من المطالبة بإسقاط النظام، ضمن لقاء مشترك يجمعهم مع أعداء المشروع الإسلامي، ليس من المطابقة للواقع أن يقال إنه هو المشروع الإصلاحي، كل ذلك إنما هو نشاط سياسي لا يختلف فيه هؤلاء عن غيرهم من الأعداء التقليديين لأطروحاتهم، بدليل أن الجميع الآن لا فرق بينهم في أدوات النضال ولا مصطلحاته وأولوياته.
أعود لتأكيد أني لا أنعى عليهم عملهم السياسي، بل آمل أن يحقق الله على أيديهم الكثير من الخير، لكنني لا أسلِّم لهم بأن ما يقومون به هو المشروع الإسلامي الذي عرفناهم به قديمًا،
إذًا فالإخوان دخلوا السياسة بعد الثورات، ولكن ليس بمشروعهم، بل بمشروع مستعار.
نعم مشروع مستعار يشبه إلى حد كبير المشروع الذي دخل به النورسيون في تركيا حلبة النزاع السياسي، وفازوا بسدة الرئاسة من خلاله، لكن الأتراك أعلنوا أن هذا ليس هو مشروعهم الحقيقي حين وصفوا حزبهم صراحة بالعلمانية، وأقروا أنهم لا يستطيعون العمل في هذه الظروف ببرنامجهم الذي يعبِّر عنهم.
فعلى التسليم جدلا بأن السلفيين لا يملكون مشروعًا سياسيًّا، لا يحقُّ لأحد أن ينعى عليهم ذلك ما دام الواقع أثبت أن من لديهم مشروعًا سياسيًّا لم يستطيعوا التقدم به إلى الحلبة، وأخذوا بدلًا عنه ثوبًا مستعارًا من خصومهم الذين ينازعونهم في مشروعية وجودهم.
أما لماذا اضطربت مواقف السلفيين، فسؤال ينبئ عن عدم معرفة صحيحة بطبيعة التكوين السلفي, فالسلفيون ليسوا جماعة تخضع لقيادة فكرية أو حركية حتى تتوحد مواقفها تبعًا لهذه القيادة أو تلك، بل هم أصحاب مدرسة دعوية، ومنهج استدلالي يذهبون إليه في العقيدة والفقه والأخلاق, وحين تأتي النوازل يعرضونها على طريقتهم في الاستدلال، وتختلف رؤاهم حولها بشكل طبعي، تبعًا لاختلافهم في فهم النصوص أو تنزيلها على الواقع، وتبعًا لرؤية كل منهم للمصلحة والمفسدة وطرق تقديرها.
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 264