اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 259
وهذا كله يستدعي من الأمة حرصا شديدا على معرفة معالم الخطاب السياسي في الإسلام وتحديدا واضحا لمبادئه وأقسامه ومحتوياته واهتماما واسعا بمفرداته وملامحه وغوصا عميقا في بحار واستخراج كنوره.
وأحسب أن استثمار الخطاب السياسي في الشريعة يقوم على ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: الجمع والتصنيف: ما زال المخزون السياسي مبعثرا في المصادر الإسلامية ولم يحظ بمشروع يجمع شتاته ويؤلف بين متفرقه فهو مبعثر في القرآن وكتب السنة من الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات وكتب الحديث الأخرى وكذلك هو مفرق في كتب التاريخ والتراجم فهو يحتاج إلى قدر كبير من البحث والتنقيب ليجمع في مكان واحد كما فعل الفقهاء في نصوص الأحكام ويتبع ذلك القيام بتمييز الصحيح من الضعيف منها ثم يعقب ذلك تبويبها وتقيمها على الأبواب والمسائل.
والمتابع للكتب المؤلفة في فقه السياسة يجد عزوفا ظاهرا عن الاستناد إلى المخزون الشرعي في السياسة واعتمادا كبيرا على الاجتهاد والتخريج والاستنباط الشخصي وقد قام الدكتور/حاكم المطيري بعملية استقرائية استطاع من خلالها الكشف عن قدر كبير من ضخامة الموروث السياسي في الشريعة ولو قمنا بالمقارنة بين ما جمعه وبين ما في كتب فقه السياسة سواء المتقدمة منها ككتاب المارودي وأبي يعلى أو المتأخرة والمعاصرة فإن سنجد بينها فارقا شاسعا في كمية المخزون السياسية التي تم استحضاره واستثماره في بناء التصورات السياسية وهذا الحال يكشف لنا أحد الإشكاليات المنهجية في تلك المؤلفات.
الخطوة الثانية: الدراسة والتحليل: لا يكفي في استجلاء الصورة الحقيقية للخطاب السياسي في الإسلام مجرد جمع المادة السياسية فيه فقط بل تحتاج مع ذلك إلى دراسات علمية معمقة تعتمد على مهارات التحليل المنهجي البليغة وتستند إلى آليات البحث الفقهي المتقن حتى يمكننا التوصل إلى حقيقة ما كان عليه الخطاب السياسي في المرحلة الكاملة ويمكننا التمييز بوضوح بين الجانب التشريعي منه والجانب الإجرائي ويمكننا أيضا تحديد الضوابط التشريعية بشكل واضح وجلي.
ومما يساعد على إنجاز تلك الدراسة المعمقة للمخزون السياسي: التخلص من الخطاب الفردي والتوجه نحو الرؤية الجماعية فمن المهم أن يتحول البحث السياسي ليكون بحثا مؤسسيا يحمل رؤية جماعية وذلك عن طريق عقد الندوات وإقامة المؤتمرات وحلقات النقاش وتبني المراكز البحثية لهذا الموضوع فقد غدت المنهجية الجماعية ضرورة واقعية نتيجة تعقد الواقع وتشابك القضايا السياسية في واقعنا المعاصر وازدياد ترابطها وتداخلها مما يستدعي ضرورة التخلص من الرؤية الفردية والانتقال إلى الرؤية الجماعية.
الخطوة الثالثة: الدعوة والتوعية: تحتاج المشاريع التي تقصد إلى التغيير الجذري إلى قدر كبير من الدعوة الجماهيرية وتتطلب جرعة عالية من تنمية حس الوعي الحقوقي بها وبأهميتها وفائدتها فلا يكفي في الإصلاح السياسي أن يكون هما خاصا بالنخبة أو فكرا محدودا في الدائرة المثقفة وإنما لا بد أن ينتقل إلى الجماهير ليكون رأيا عاما وهما مشتركا بين كل الفئات.
والمخزون السياسي في الإسلام يمتلك قوة عالية من التأثير ورؤية واضحة توصل إلى درجة عالية من الوعي الحقوقي يمكن من خلالها تكوين القوة الضاغطة على الواقع لتغييره وتبديله.
وفي ختام هذه الجولة في المخزون السياسي وبعد اكتشاف ضخامته وأهميته وجودة مكتسباته يبدو أن سؤالا ملحا غدا يلوح في الأفق وهو: من المسئول عن تغييب المخزون السياسي الشرعي وعن خفوت أثره في الواقع المعاصر؟!
اسم الکتاب : مقالات موقع الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 259