اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 81
دور الأهمية المعنوية في التمايز الدلالي للتراكيب
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[01 - 05 - 2014, 07:32 م]ـ دور الأهمية المعنوية في التمايز الدلالي للتراكيب
يتحدث الإنسان تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس، وتتمايز التراكيب التي يقولها دلاليا، وهذا التمايز يعود إلى الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي بين أجزاء التراكيب، كما في الأمثلة التالية:
أولا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب العلامة الإعرابية:
يقول سيبويه: ما كان عبد الله منطلقا ولا زيد ذاهبٌ"إذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الآن، فلم نشرك بين عبد الله وزيد في (كان) أو معنى المضي، ونقول: ما كان عبد الله منطلقا ولا زيد ذاهبا، والجملة المعطوفة على إرادة معنى كان أو المضي، فقد أشركنا بين عبد الله وزيد في (كان) أو معنى المضي.
ونقول: ما زيد قائما ولا قاعدٍ
ونقول: مازيد قائما ولا قاعدا
والأولى أكد لأنها على إرادة الباء أو حرف الجر الذي يفيد التوكيد.
ثانيا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب الرتبة:
هناك فرق في المعنى بين أفعلت؟ وأأنت فعلت؟ فإذا بدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه، وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده، وإذا قلت: أأنت فعلت؟ فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل من هو وكان التردد فيه" فالمسؤول عنه يتقدم نحو همزة الاستفهام بحسب قوة العلاقة المعنوية والاحتياج المعنوي مما يؤدي إلى التمايز الدلالي.
وهناك فرق في المعنى بين: أجاءك رجل؟ و"أرجل جاءك؟ فالأولى سؤال عن مجيء واحد من الرجال إليه، والثانية سؤال عن جنس من جاءه أرجل أم امرأة، فالكلام اختيار وتأليف بحسب قوة العلاقة المعنوية والاحتياج المعنوي.
وهناك فرق في المعنى بين: ما يأكل زيد إلا الخبز و"ما يأكل الخبز إلا زيد، فالأولى تعني أن زيد لا يأكل إلا الخبز والثانية تعني أن الخبز لا يأكله إلا زيد، وقد ترتبت الألفاظ ترتيب المعاني والألفاظ هي المعاني، وفي الأولى نفينا أن يأكل زيد شيئا باستثناء الخبز وفي الثانية نفينا أن يأكل الخبز أحد باستثناء زيد، وهذا التمايز الدلالي ناتج عن الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب.
ثالثا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب الصيغة:
هناك فرق في المعنى بين: زيد منطلق وزيد ينطلق
ففي الأولى نثبت الانطلاق لزيد من غير تجدد أما في الثانية فنثبت له الانطلاق المتجدد، لأن الاسم يدل على الثبات أما الفعل فيدل على التجدد، ومما يدل على ذلك أن الفعل لا يصلح مكان الاسم والاسم لا يصلح مكان الفعل، نقول: زيد طويل وعمرو قصير ولا يجوز: زيد يطول وعمرو يقصر إلا إذا كان الشيء مما يزداد وينمو مثل الصبي والنبات.
وهناك فرق في المعنى بين: رجل عدل ورجل عادل، والأولى فيها مبالغة ليست في الثانية، حيث جعلنا العين هو الحدث نفسه وهذا يعني أن الكلام اختيار وتأليف بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي عند المتكلم.
رابعا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب الأداة:
نقول: أحسن إليّ
ونقول: أحسن بي
والإحسان في الثانية أشد وألصق بالمحسن إليه من الأولى.
ونقول: سأكتب
ونقول: سوف أكتب
وفعل الكتابة في الأولى أقرب منه في الثانية.
ونقول: ماأحب خالدا لبكر
ونقول: ما أحب خالدا إلى بكر
وفي الأولى: خالد هو المحب وبكر هو المحبوب
وفي الثانية: خالد هو المحبوب وبكر هو المحب.
فالكلام اختيار وتأليف بحسب الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية عند المتكلم.
خامسا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب التلازم:
هناك تلازم بين المضاف والمضاف إليه، ولكن قد يحذف أحدهما بدليل القرينة الدالة عليه، من أجل التجوز في الكلام والاتساع فيه كقوله تعالى"ولكن البر من اّمن" وقوله تعالى"ولكن البر من اتقى" والأصل هو الجملة التالية: ولكن البر بر من اّمن، ولكن البر بر من اتقى "وهذا من قبيل الإخبار عن المصدر بالذات، من أجل التجوز والمبالغة، والقصد منه تجسيد المعاني وتحويلها إلى شخوص حية تراها العيون، فهناك فرق في المعنى بين ذكر المضاف وحذفه، والثاني يمنحنا توسعا في المعنى لا يؤديه الأصل، وهذا شأن العدول عن الأصل فهو أجمل من الأصل، سواء أكان العدول عدولا عن أصل الاختيار أم عدولا عن أصل التأليف، فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم.
سادسا: التمايز الدلالي للتراكيب في باب الربط:
قال تعالى: الحاقة*ما الحاقة**
والأصل في الآيتين هو الجملة التالية: الحاقة ما هي؟ ولكن وضع الظاهر مكان المضمرتفخيما لشأنها لأنه أهول لها، ومثله قوله تعالى: القارعة*ما القارعة*ومن هنا كان اختلاف المعنى نابعا من التغير الحاصل على المحور الرأسي، واستبدال الظاهر بالمضمر، والمتكلم يختار الكلمة التي توصل المعنى الذي يريده بدقة متناهية.
سابعا: التمايز الدلالي للتراكيب في مجال المطابقة:
قال تعالى: وقال نسوة في المدينة"
ولم يقل: وقالت نسوة في المدينة"ألا ترى أن النسوة لما وصفوا زليخا بالضلال المبين، وذلك من شأن العقل التام نزِّلن منزلة الذكور" فذكَّر الفعل مع المؤنث للدلالة على رجاحة العقل، فالكلام يكون بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم.
والنحاة يقولون: إن المضاف يستفيد التذكير والتأنيث من المضاف إليه، فقد قال تعالى: إن رحمة الله قريب من المحسنين، ولم يقل قريبة، من أجل التوافق المعنوي بين التذكير الذي حصل من إضافة المؤنث إلى المذكر وبين كلمة قريب، وقد اكتسب المعنى معنى إضافيا وهو قرب الله سبحانه وتعالى أيضا
وقال تعالى: وأخذ الذين ظلموا الصيحة
وقال أيضا: وأخذت الذين ظلموا الصيحة
والصيحة الأولى بمعنى العذاب أو الصياح، فتذكير الفعل نابع من الاحتياج المعنوي مع الفاعل المذكر من جهة المعنى.
وهذا يعني أن الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب يؤدي إلى التمايز الدلالي التراكيب.
فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم، وأن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدَّث بمستويات متعددة، ويقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس، ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم.
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 81