اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 793
ذهب الكوفيون إلى أن الفعل المضارع في نحو قولك: "لا تأكل السمك وتَشْرَبَ اللبن" منصوب على الصرف. وذهب البصريون إلى أنه منصوب بتقدير أن، وذهب أبو عُمَرَ الجَرْمِيُّ من البصريين إلى أن الواو هي الناصبة بنفسها؛ لأنها خرجت عن باب العطف.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا: إنه منصوب على الصرف، وذلك لأن الثاني مخالف للأول، ألا ترى أنه لا يحسن تكرير العامل فيه، فلا يقال: لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن، وأن المراد بقولهم: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بجزم الأول وبنصب الثاني النهي عن أكل السمك وشرب اللبن مجتمعين، لا منفردين، فلو طَعِمَ كل واحد منهما منفردا لما كان مرتكبًا للنهي، ولو كان في نية تكرير العامل لوجب الجزم في الفعلين جميعًا، فكان يقال: "لا تأكل السمك وتشربِ اللبن" فيكون المراد هو النهي عن أكل السمك وشرب اللبن منفردين ومجتمعين، فلو طَعِمَ كل واحد منهما منفردا عن الآخر أو معه لكان مرتكبا للنهي؛ لأن الثاني موافق للأول في النهي، لا مخالف له، بخلاف ما وقع الخلاف فيه؛ فإن الثاني مخالف للأول، فلما كان الثاني مخالفًا للأول ومصروفا عنه صارت مخالفته للأول وصرفه عنه ناصبًا له، وصار هذا كما قلنا في الظروف، نحو "زيدٌ عندك" وفي المفعول معه، نحو "لو تُرِكَ زيدٌ والأسد لأكلَهُ" فكما كان الخلاف يوجب النصب هناك، فكذلك ههنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا: إنه منصوب بتقدير "أن" وذلك لأن الأصل في الواو أن تكون حرف عطف، والأصل في حروف العطف أن لا تعمل؛ لأنها لا تختص؛ لأنها تدخل تارة على الاسم وتارة على الفعل على ما بيّنّا
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني مع حاشية الصبان "3/ 258 و260" وشرح المفصل لابن يعيش "ص929" وشرح الرضي على الكافية "2/ 223 وما بعدها".
في غير موضع، وإنما لما قصدوا أن يكون الثاني في غير حكم الأول وحُوِّل المعنى حول إلى الاسم، فاستحال أن يضم الفعل إلى الاسم، فوجب تقدير "أن"؛ لأنها مع الفعل بمنزلة الاسم، وهي الأصل في عوامل النصب في الفعل.
وأما ما ذهب إليه أبو عمر الجَرْمِي أنها عاملة لأنها خرجت عن باب العطف فباطل؛ لأنه لو كانت هي العاملة كما زعم لجاز أن تدخل عليها الفاء والواو للعطف، وفي امتناعه من ذلك دليل على بطلان ما ذهب إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الثاني مخالف للأول فصارت مخالفته له وصرفه عنه موجبًا له النصب" قلنا: قد بينا في غير مسألة أن الخلاف لا يصلح أن يكون موجبًا للنصب، بل ما ذكرتموه هو الموجب لتقدير "أن" لا أن العامل هو نفس الخلاف والصرف، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: إن زيدا في قولك: "أكرمت زيدًا" لم ينتصب بالفعل، وإنما انتصب بكونه مفعولًا، وذلك محال؛ لأن كونه مفعولًا يوجب أن يكون أكرمت عاملًا فيه النصب، فكذلك ههنا: الذي أوجب نصب الفعل ههنا بتقدير "أن" هو امتناعه من أن يدخل في حكم الأول، كما أن الذي أوجب نصب زيد في قولك "أكرمت زيدا" وقوع الفعل عليه؛ فدلّ على ما قلناه، والله أعلم.
ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[17 - 06 - 2012, 09:20 م]ـ
وان تجعل الواو واو حالية رفعت تشرب. يعني لا تأكل السمك عندما تشرب اللبن. قال ابن هشام في المغني: (لا تأكُلْ سمكًا وتشرَب لبنًا إن جزمت، فالعطف على اللفظ، والنهي عن كل منهما، وإن نصبت، فالعطف عند البصريين على المعنى، والنهي عند الجميع عن الجمع، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن، وإن رفعت، فالمشهور أنه نهي عن الأول وإباحة للثاني، وأن المعنى: ولك شربُ اللبن، وتوجيهه أنه مستأنف، فلم يتوجه إليه حرف النهي، وقال بدر الدين ابن مالك: إن معناه كمعنى وجه النصب، ولكنه على تقدير: لا تأكل السمك وأنتَ تشربُ اللبن، وكأنه قدر الواو للحال، وفيه بُعدٌ، لدخولها في اللفظ على المضارع المُثبت، ثم هو مخالف لقولهم، إذ جعلوا لكل من أوجه الإعراب معنى.)
ـ[أحمد عبد الله]ــــــــ[19 - 06 - 2012, 12:00 م]ـ
قال ابن هشام في المغني: (لا تأكُلْ سمكًا وتشرَب لبنًا إن جزمت، فالعطف على اللفظ، والنهي عن كل منهما، وإن نصبت، فالعطف عند البصريين على المعنى، والنهي عند الجميع عن الجمع، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن، وإن رفعت، فالمشهور أنه نهي عن الأول وإباحة للثاني، وأن المعنى: ولك شربُ اللبن، وتوجيهه أنه مستأنف، فلم يتوجه إليه حرف النهي، وقال بدر الدين ابن مالك: إن معناه كمعنى وجه النصب، ولكنه على تقدير: لا تأكل السمك وأنتَ تشربُ اللبن، وكأنه قدر الواو للحال، وفيه بُعدٌ، لدخولها في اللفظ على المضارع المُثبت، ثم هو مخالف لقولهم، إذ جعلوا لكل من أوجه الإعراب معنى.)
كلامٌ نفيس، بارك الله فيك.
ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[21 - 06 - 2012, 08:09 ص]ـ
فائدة:
قال ابن هشام في المغني: الرابع والخامس-أي: من أقسام الواو-واوان ينتصب ما بعدهما، وهما: واو المفعول معه كـ (سِرتُ والنِّيلَ)، وليس النصب بها خلافًا للجرجاني ...
والواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول، فالأول كقوله:
ولبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني * أحبُّ إليّ منْ لُبسِ الشُّفوفِ
[وقوله:
ولولا رجال من رزام بن مازن * وآلِ سُبَيْعٍ أو أسوءَك علقما
التقدير: (ولبس عباءة وقرور عيني) و (لولا رجالٌ أو مساءتك)، ومنه قول الإمام أحمد رحمه الله: (الصبر على هذا، ويسلمَ لك دينُكَ خيرٌ ..) أي: (وسلامةُ دينك ..)]
والثاني شرطُه أن يتقدم الواوَ نفيٌ أو طلبٌ، وسمى الكوفيون هذه الواوَ واوَ الصرف، وليس النصب بها خلافًا لهم، ومثالُها: ((ولمّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكمْ ويعلمَ الصّابرين))، وقوله:
* لا تنهَ عنْ خُلقٍ وتأتيَ مِثلَهُ *
[التقدير: لا يكن منك نهيٌ عن خلق وإتيانُ مثله] اهـ بتصرف وزيادة بيان.
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 793