اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 423
سبق أن المفعول المطلق يكون مصدرا، وهذا هو الغالب، وقد تنصب بعض الألفاظ على أنها مفعول مطلق وهي ليست مصدرا، وذلك لنيابتها عن المصدر، والأشياء التي تنوب عن المصدر كثيرة منها:
1 - آلة المصدر، أي الآلة التي تستخدم لإيجاده، مثل: ضربْتُه سوْطًا، فسوطًا: مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب بالفتحة، والأصل: ضربْتُه ضربَ سوطٍ، فحذف المصدر وأقيمت آلته مقامه.
2 - العدد، مثل: ضربْتُه ثلاثًا وعشرينَ ضربةً، ومنه قوله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)، والأصل: جلدًا ثمانينَ، فحذف المصدر وأقيم العدد مقامه.
3 - كلّ وبعض مضافين إلى المصدر، مثل: اجتهدتُ كلَّ الاجتهادِ، وترددتُ بعضَ الترددِ، والأصل: اجتهدتُ اجتهادًا كلَّ الاجتهادِ، وترددتُ ترددًا بعضَ الترددِ، فحذف المصدر منهما وأقيم كل وبعض مقامهما.
(شرح النص)
فصلٌ: ويقولُ المستغيثُ: يا للهِ لِلمُسلمينَ، بفتحِ لامِ المستغاثِ بهِ، إلَّا في لامِ المعطوفِ الذي لمْ يتكررُ معه يا، ويا زيدا لعمرٍو، ويا قومِ لِلعَجَبِ العَجِيبِ.
والنادبُ وا زيدا، وا أميرَ المؤمنينَا، وا رأسا، ولكَ إلحاقُ الهاءِ وقفًا.
والمفعولُ المطلقُ وهوَ: المصدرُ الفضلةُ المُسَلَّطُ عليهِ عاملٌ منْ لفظه كـ ضربْتُ ضربًا، أو مِن معناه كـ قعدتُ جلوسًا.
وقدْ ينوبُ عنه غيرُهُ كـ ضربتُهُ سوْطًا، (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ).
وليسَ منه (وَكُلا مِنْها رَغَدًا).
.................................................. .................................................. ...................
لازلنا في الحديث عن أحكام المنادى وقد بين المصنف في هذا الفصل الاستغاثة والندب فقال: (فصلٌ) في الاستغاثة والندبة، فالاستغاثة هي: نداء من يخلص من شدة، أو يعين على دفع مشقة، ولا يستعمل معها من أحرف النداء إلا يا خاصة، ويجب ذكرها في اللفظ (ويقولُ المستغيثُ) إذا استغاث بالله (يا للهِ لِلمُسلمينَ) أي استغيث بك يا الله وأدعوك لأجلهم (بفتحِ لامِ المستغاثِ بهِ) وهو لفظ الجلالة في المثال (إلَّا في لامِ المعطوفِ الذي لمْ يتكررُ معه يا) فإن لام المستغاث به تكسر في المستغاث به الثاني دون الأول نحو: يا لَزيدٍ ولِعمرٍو لِلفقراءِ، فإن تكررت معه يا فتحت اللام في المعطوف نحو يا لَزيدٍ ويا لَعمرٍو للفقراءِ (و) يقول المستغيث أيضا (يا زيدا لعمرٍو) وهذا هو الاستعمال الثاني وهو حذف اللام من المستغاث به وتعويضه بألف في آخره (و) يقول المستغيث أيضا (يا قومِ لِلعَجَبِ العَجِيبِ) وهذا هو الاستعمال الثالث وهو حذف اللام من المستغاث به من غير تعويض بشيء فيكون كالمنادى المستقل، كما في قول الشاعر: أَلا يا قَومِ لِلْعَجَبِ العَجِيبِ ... ولِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلْأَرِيبِ، الغَفَلات: جمع غفلة وهي ترك اليقظة وعدم التنبه، الأريب: العاقل المجرب، والمعنى هو أن الشاعر يدعو قومه للأمر العجب العجيب وللغفلات تعرض للعاقل المجرب فيقع في المزالق رغم كونه ممن خبر الأمور وجربها ويعرف عواقبها، فقوله: وللغَفَلاتِ: تفسير للعجب العجيب، والشاهد فيه هو يا قومِ لِلعجبِ العجيب، حيث استعمل المستغاث وهو القوم من غير لام أو ألف.
ثم لما فرغ من الاستغاثة شرع في الندبة فقال: (والنادبُ) أي ويقول النادب وهو من يرثي ميتا أو يتوجع من ألم أصابه (وا زيدا) بألف في آخره وهو الأكثر استعمالا أو وا زيدُ بدون ألف، وهو منادى مبني على الضم في محل نصب، وينصب لفظا إذا كان مضافا نحو (وا أميرَ المؤمنينَا) أو وا أميرَ المؤمنينَ بدون ألف في آخر المؤمنين، ونحو (وا رأسا) وهذا مثال المندوب المتوجع منه أو وا رأسُ (ولكَ إلحاقُ الهاءِ وقفًا) نحو: وا زيداه وا رأساه، والهاء هنا حرف دال على السكت مبني على السكون.
ولما فرغ من بيان المفعول به ومنه المنادى شرع يتحدث عن بقية المفاعيل الخمسة وبدأ بالمفعول المطلق فقال: (والمفعولُ المطلقُ وهوَ: المصدرُ) هذا هو الغالب وقد لا يكون مصدرا كضربته سوطا ونحوه مما ينوب عن المصدر (الفضلةُ) أي غير العمدة من المسند والمسند إليه (المُسَلَّطُ عليهِ عاملٌ منْ لفظه كـ ضربْتُ ضربًا) وجلست جلوسا (أو) عامل (مِن معناه كـ قعدتُ جلوسًا) فإن القعود والجلوس يشتركان في المعنى ويختلفان في اللفظ (وقدْ ينوبُ عنه) أي عن المصدر (غيرُهُ كـ ضربتُهُ سوْطًا) فسوطا: مفعول مطلق منصوب، ومثله ضربته عصًا مما كان آلة المصدر، ونحو قوله تعالى (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) مما كان اسم عدد فثمانينَ: مفعول مطلق منصوب، ونحو قوله تعالى (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) مما كان لفظ كل مضافا إلى مصدر، فكلَّ: مفعول مطلق منصوب، ونحو قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) مما كان لفظ بعض مضافا إلى مصدر، فبعضَ: مفعول مطلق منصوب.
(وليسَ منه) أي من النائب عن المصدر صفته كرغد في قوله تعالى (وَكُلا مِنْها رَغَدًا) وإنما هو حال أي كلا منها حال كون الأكل رغدا، وقال غيره من العلماء هو من المفعول المطلق والأصل: وكلا منها أكلا رغدا، فحذف المصدر الموصوف وأقيمت صفته مقامه، ومثله: ضربته قويا، فبعضهم يعربه حالا أي ضربته حال كون الضرب قويا وبعضهم يعربه مفعولا مطلقا والأصل: ضربته ضربا قويا.