اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 376
حركات الإعراب، وهذا أمر معروف للجميع، إلا أن د. أنيس لا يبالى بهذه الحقائق، بل يتجاهلها، من أجل إثبات ترهاته.
على أن المسألة لما تتم فصولها عند هذا الحد، إذ هناك الروايات التى تتحدث عن النحو والإعراب، وتدور حول الصحابة والتابعين والعلماء والبشعراء والخطباء ومن إليهم، وتعود إلى تاريخ سابق على هذا الإعراب المخترع. فماذا نصنع بها؟ أنقول إنها قد اخترعت هى أيضا للتغطية على هذا التزييف؟ إن معنى هذا أننا هنا إزاء طوائف من الكذابين القراريين الذين لا تختلج لهم خالجة من ضمير، ويقدمون على التزييف والتحريف والكذب والضلال بدم بارد وقلب لا يعرف التحرج ولا الخوف من أى شىء أو أى شخص حتى لقد اخترعوا تاريخا كاملا كذبا وزورا، وعضَّدوه بالروايات والحكايات المصنوعة الملفقة ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة تحتاجها قصة الإعراب الفاضحة إلا وارتكبوها. إن مثل أولئك لشياطين مردة لا بشر.
والآن إل القارئ النصوص التالية كى ينظر فيها، ولسوف يجدها ذات مغزى فيما نحن بصدده هنا: ففى "الفَسْر" لابن جنى نقرأ "ما كان بين عبد الله بن أبي إسحاق والفرزدق، وقد سأله عن قوله:
وعَضُّ الزمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ
فقال له: "بم رفعت مُجَلَّفا؟ " فقال له الفرزدق: "بما يسوؤك وينوؤك" ... ثم هجاه الفرزدق وقال فيه:
فلو كان عبد الله مولًى هجوتُه * ولكنّ عبد الله مولَى مَوَالِيَا
فقال له ابن أبي إسحاق: "ولقد لحنتَ أيضا في قولك: "مولى مواليا"، وكان ينبغي أن تقول: مَوْلَى مَوَالٍ".
وفى "البيان والتبيين" للجاحظ نقرأ: "ومتى سمعتَ، حفظك اللَّه، بنادرةٍ من كلام الأعراب، فإيّاك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارِجِ ألفاظها. فإنَّك إنْ غيَّرتَها بأن تلحَنَ في إعرابها وأخرجْتَها مخارجَ كلام المولّدين والبلديِّين خرجْتَ من تلك الحكايةِ وعليك فضلٌ كبير. وكذلك إذا سمِعتَ بنادرةٍ من نوادر العوامّ، ومُلْحة من مُلَح الحُشْوَة والطَّغَام، فإيَّاكَ وأن تستعمِلَ فيها الإعراب، أو تتخيَّرَ لها لفظًا حسنًا، أو تجعل لها مِن فيك مخرجًا سَرِيًّا، فإنّ ذلك يفسد الإمتاع بها، ويُخرجها من صورتها ومِن الذي أُرِيدَت له، ويُذهب استطابَتهم إياها واستملاحَهم لها". وفيه أيضا: "كتب الحُصَيْن بن أبي الحُرِّ إلى عُمرَ كتابًا، فلحن في حرفٍ منه، فكتب إليه عمر: أنْ قنِّعْ كاتبَك (أى اضربه) سَوْطًا ...
وقال الأصمعيّ: خاصمَ عيسى بن عُمر النحويّ الثقفيّ رجلاً إلى بلال بن أبي بردة، فجعل عيسى يتَتَبَّع الإعراب، وجعل الرجلُ ينظر إليه. فقال له بلال: لأن يذهب بعضُ حقِّ هذا أحبُّ إليه من تَرك الإعراب، فلا تتشاغَلْ به واقصِد لحجَّتك. وقدَّم رجلٌ من النحويّين رجلاً إلى السلطان في دَينٍ له عليه، فقال: أصلح اللَّه الأمير. لي عليه درهمانِ. فقال خصمه: لا والله أيُّها الأمير. إن هي إلاّ ثلاثة دراهم، ولكن لظهور الإعراب ترك من حقه درهما؟ "
وبعد، فلو أن الدكتور أنيس قال مثلا إن اللغة العربية بدأت بداية بسيطة، ثم تطورت وتعقدت مع مرور الزمن فدخلها الإعراب بعد أن لم يكن، وأن ذلك قد أخذ وقتا طويلا جدا وأن التغيير من التسكين إلى الإعراب تم منذ زمن بعيد فى الجاهلية، فربما كان لكلامه معنى، إذ ليس بين أيدينا أية نصوص تدل على أن ما يقوله صحيح، ومن ثم فمن الممكن نظريا إحالته إلى الزمن البعيد الذى لا يستطيع أن ينكر عليه ما يقول لأنه مضى وانقضى وليس له لسان يرد به على الدكتور، فضلا عما يثيره كلامه الحالى من مشكلات وبلايا ورزايا لست أردى لم لا أستطيع أن أشعر بالاطمئنان تجاهه بشأنها. أما أن يزعم مزاعمه تلك، وبين أيدينا الشعر الجاهلى والقرآن الكريم والتاريخ المكتوب، فضلا عن المنطق الذى فى عقولنا والذى يصرخ بملء قواه أن كلام الدكتور سخيف متهافت، فدون قبولنا إياه خرط القتاد كما كان العرب القدامى يقولون، أو ضرب القنابل الهيدروجينية كما ينبغى أن نقول الآن!
ـ[منيب ربيع]ــــــــ[01 - 12 - 2013, 07:37 ص]ـ
جزى الله الدكتور إبراهيم عوض خير الجزاء وأوفاه، ونفعه ونفع به، ووفقنا جميعا لما يحب ويرضى.
وأحب أن أنبه قراء الملتقى الكرام إلى أن كثيرا من المعاصرين قد ردوا على الدكتور إبراهيم أنيس ـ رحمه الله ـ دعواه الغريبة، ولعل من أهم الكتب التي تصدت لهذه الدعوى كتاب (أصالة الإعراب ودلالته على المعاني في العربية والقرآن الكريم) للأستاذ محمد حسن جبل، وهو كتاب أدعو القراء إلى قراءته وإطالة النظر فيه والإفادة منه.
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 376