responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 366
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ"، فلولا أن "الإنجيل" مكسورة الآخر لظننا أن المعنى المراد هو أن الإنجيل بداية جملة جديدة، وأنه هو الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث ويضع الإصر ... إلى آخره.
أما تهوين د. أنيس من شأن الروايات التى تتحدث عن واضعى النحو والأسباب التى حملتهم على التفكير فى ذلك، رغبة منه فى التشكيك فى وجود النحو أصلا قبل القرن الثانى للهجرة، ومنها الرواية التى تقول إن بنت أبى الأسود الدؤلى قالت له يوما: "ما أحسنُ السماءِ"، فكان جوابه: "أحسنُها نجومها"، فأفهمته أنها لا تسأل عن أجمل شىء فى السماء، بل تتعجب من جمالها، وكذلك إنكاره أن يكون أبو الأسود قد سمع قارئا يقول: "أن الله برىءٌ من المشركين ورسولِه"، فارتاع وفكر فى وضع النحو، أما تهوينه من شأن هاتين الروايتين وأمثالهما ووصْفه لها بأنها مجرد قصص مسلية طريفة (من أسرار اللغة/ 228) فلا أستطيع أن أرافئه عليه، بل أرى أنه حتى لو ثبت أنها روايات مصنوعة فمن الممكن جدا أن تقع، بل هى تقع كثيرا، إن لم يكن بنصها فعلى شاكلتها. وعلى هذا فليس ثم معنى للتهوين من شأن مثل تلك الروايات أبدا.
ومما يترتب على فكرة إبراهيم أنيس الشاذة أن الشعر العربى لم يكن موزونا قبل ذلك التاريخ، ثم لما اخْتُرِع النحو تصادف أن اتَّزَن الشعر بعدما كان مكسورا لا يعرف الإيقاع المنتظم. إن الدكتور، عند توضيح فكرته هنا، يأتى إلى بضعة أبيات اختارها عمدا فيحاول أن يقنعنا أنها عند التزام السكون فى أواخر كلماتها لن تضار كثيرا من ناحية الإيقاع الموسيقى. لكنه لم ينكر أن هناك خللا إيقاعيا قد حدث، وكلّ ما هنالك أنه أراد التهوين من شنعه. ثم إنه لم يقل لنا: ماذا عن تلك المصادفة السعيدة التى على أساسها قد استقام الشعر الجاهلى عند دخول الإعراب على لغة العرب بعدما كان بدونه ملتويا فى إيقاعه وموسيقاه؟ على كل حال سوف أورد الآن بضعة أبيات أخرى، ولتكن من معلقة امرئ القيس لنرى معا كيف يكون حالها من دون الإعراب، ثم كيف يكون حالها به. وها هى ذى الأبيات المذكورة ساكنة أواخر الكلمات عارية عن الإعراب:
فَمِثلُكْ حُبلى قَد طَرَقتْ وَمُرضِعْ * فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمْ مُحوِلْ
وَيَومْ عَلى ظَهرِ الكَثيبِْ تَعَذَّرَتْ * عَلَيَّ وَآلَتْ حَلفَةْ لَم تُحَلَّلْ
وَبَيضَةْ خِدرْ لا يُرامْ خِباءْها * تَمَتَّعتُ مِن لَهوْ بِها غَيرْ مُعجَلْ
تَجاوَزت أَحراسْ إِلَيها وَمَعشَرْ * عَلَيَّ حِراصْ لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
فَقالَت: يَمينَ اللَهْ ما لَكْ حيلَةْ * وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةْ تَنجَلي
خَرَجت بِها أَمشي تَجُرّْ وَراءْنا * عَلى أَثَرَينا ذَيلْ مِرطْ مُرَحَّلْ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعْ ريحْها * نَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلْ
بالله عليك أهذا شعر؟ بالله عليك أهذه موسيقى؟ إننى لأشعر أننا جالسون على مصطبة فى قرية من القرى نستمع إلى كلام سخيف يظنه صاحبه العامىّ الفَدْم شعرا، وما هو من الشعر فى دِقٍّ أو جِلٍّ. ولا تنس أيضا القافية التى اضطربت اضطرابا رهيبا بسبب جرينا على تسكين أواخر كلماتها طبقا لنظرية أنيس، إذ وجدناها مرة تنتهى بالسكون، وأخرى بمدة الياء، وهو ما لا أدرى كيف يحله لنا د. أنيس بنظريته المُخَرْبَقَة. أما القصيدة على وضعها بعد الإعراب (المخترَع فى زعم د. أنيس) فهى من الإبداع الفنى فى الذروة:
فَمِثلِكِ حُبلى قَد طَرَقتُ وَمُرضِعٍ * فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحْوِلِ
وَيَوماً عَلى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت * عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لَم تُخَلَّلِ
وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُها * تَمَتَّعتُ مِن لَهوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ
تَجاوَزتُ أَحراساً إِلَيها وَمَعشَراً * عَلَيَّ حِراصًا لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
فَقالَت يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ * وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
خَرَجتُ بِها أَمشي تَجُرُّ وَراءَنا * عَلى أَثَرَينا ذَيلَ مِرطٍ مُرَحَّلِ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعَ ريحُها * نَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلِ
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 366
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست