لم لم يكن العكس!
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته,
حياك الله تعالى أخي!
يجيبك الحريري عن سؤالك قائلا:
وخصت نون الجمع (أي جمع المذكر السالم) بالفتح؛ لأن الفتحةَ أخف من الكسرة؛ والتثنية أخف من الجمع, فقصدت العرب التعديل في الكلام, بأن جعلت الأخف للأثقل, والأثقل للأخف. / فاعلم ذلك /. انتهى.
راجع شرح ملحة الإعراب للحريري - باب جمع المذكر السالم - عند قوله:
ونونه مفتوحة إذ تذكر،،،،،، والنون في كل مثنى تكسر
ملحوظة / هذه تعليلات يذكرها النحاة, والتعليل الصحيح - والله تعالى أعلم - هو السماع عن العرب ليس غيرُ.
وفقني الله تعالى وإياك لما يحب ويرضى.
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[19 - 12 - 2009, 06:54 م]ـ
الاعتلالُ لذلكَ غيرُ واجبٍ، لأنه اعتلالٌ للوضعِ؛ والأصلُ في الأوضاعِ ألا يُعتلَّ لها؛ لأنه مفضٍ إلى امتناعِ الحُكْمِ، أو التناقضِ عندَ عدَمِ المزيَّةِ. ألا ترَى أنَّك لو أردتَّ أن تخبرَ عن مجيء أخَوينِ توأمينِ أحدُهما اسمُه محمدٌ، والآخَر اسمُه خالدٌ، ولا تعلَمُ بينَهما فرقًا، ولا تدري أيُّهما أكبرُ؛ فقلتَ: (جاءَ محمدٌ، وخالدٌ)، لقيلَ لك: (ولِمَ قدَّمتَ محمَّدًا؟). ولو قلتَ: (جاء خالدٌ، ومحمدٌ)، لقيلَ لك: (ولِمَ قدَّمتَ خالدًا؟). فلمَّا لم يكن لأحدِهما عندكَ مزيَّة علَى الآخَر، وكنتَ معتقِدًا وجوبَ تقديمِ ما له مزيَّةٌ، كانَ هذا يُسلِمُك إلى أحدِ أمرينِ:
أحدُهما: أن تنقطِع عن الكلامِ. وهذا بيِّنُ البُطلانِ، لأنَّ به فواتَ الغرضِ.
والثاني: أن تقدِّمَهما جميعًا، أو تؤخِّرَهما جميعًا. وهذا من المستحيلاتِ العقليَّة، لأنَّ فيه تناقضًا، لأنَّك لا تقدِّم الشيء على غيرِه إلا إذا كانَ غيرُه مؤخَّرًا عنه. وكذلكَ العكسُ.
ومثلُ هذه المسألةِ إيجابُ العِللِ للأوضاعِ. لأنَّا لو افترضنا تساويَ الفتحِ، والكسرِ في النونِ، ألزمَك هذا ما لزِمَك في المثالِ الأوَّلِ.
وإذن، فلا يجِبُ أن يكونَ لكلِّ شيءٍ من هذا القبيلِ عِلَّةٌ.
علَى أنَّه لو أرادَ امرؤ أن يلتمسَ العِلَّة في اختيارِهم الكسرَ للمثنَّى، والفتحَ للجمعِ، أمكنَه أن يجدَها؛ ولكنَّها عِلَّة ضعيفةٌ غيرُ مستحكِمةٍ، لأنَّها قاصِرةٌ لا أفرادَ لها يُعرَف بها اطِّرادُ الحُكْمِ من عدمِه. ولذلكَ، فإنَّ من العربِ - وهم بنو أسد - من يفتحُ نونَ المثنَّى كما حكَى الفرَّاء؛ قالَ الشاعرُ:
على أحوذيَّيْنَ استقلت عشيَّةً ... فما هيَ إلا لمحةٌ، وتغيبُ
وقد فعلُوا العكسَ؛ فكسرُوا نونَ الجمعِ اضطرارًا، كما قالَ ذو الإصبَع العَدواني:
إني أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظةٍ ... وابنُ أبيٍّ أبيٍّ من أبيِّينِ
وأصحُّ العِللِ لذلكَ أنَّهم استثقلُوا كسرَ نونِ الجمعِ؛ فكرِهوا أن يقولوا: (جاءَ الزيدونِ)، و (رأيتُ الزيدينِ)؛ فاختارُوا الأخفَّ؛ وهو الفتحُ، ثم اختاروا للمثنَّى الكسرَ، ليَفرُقوا بينَ النوعينِ. وبعضُهم يختارُ الأخفَّ في المثنَّى؛ فيفتحُه كما فتحَه في الجمعِ، ولا يبالي بعِلَّة الفرقِ.