عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام العيني:
قوله: "لي"- اللام فيه للتعليل أي لأجلي، ويجوز أن يكون بمعنى عند، أي يتمثل عندي الملك رجلا كما في قولك: كتبت لخمس خلون.
قوله: رجلا- نصب على أنه تمييز. قاله أكثر الشراح، وفيه نظر؛ لأن التمييز ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة؛ فالأول نحو: عندي رطل زيتا، والثاني نحو: طاب زيد نفسا.
قالوا: والفرق بينهما أن زيتا رفع الإبهام عن رطل، ونفسا لم يرفع إبهاما لا عن طاب ولا عن زيد؛ إذ لا إبهام فيهما، بل رفع إبهام ما حصل من نسبته إليه.
وههنا لا يجوز أن يكون من القسم الأول وهو ظاهر، ولا من الثاني؛ لأن قوله: يتمثل- ليس فيه إبهام. ولا في قوله: الملك. ولا في نسبة التمثل إلى الملك؛ فإذن قولهم: هذا نصب على التمييز- غير صحيح، بل الصواب أن يقال: إنه منصوب بنزع الخافض، وأن المعنى: يتصور لي الملك تصور رجل. فلما حذف المضاف المنصوب بالمصدرية أقيم المضاف إليه مقامه.
وأشار الكرماني إلى جواز انتصابه بالمفعولية إن ضمن تمثل معنى اتخذ، أي اتخذ الملك رجلا مثالا، وهذا أيضا بعيد من جهة المعنى على ما لا يخفى. وإلى انتصابه بالحالية، ثم قال: فإن قلت: الحال لا بد أن يكون دالا على الهيئة، والرجل ليس بهيئة- قلت: معناه على هيئة رجل. انتهى.
قلت: الأحوال التي تقع من غير المشتقات لا تؤول بمثل هذا التأويل، وإنما تؤول من لفظها كما في قولك: هذا بسرا أطيب منه رطبا، والتقدير: متبسرا ومترطبا. وأيضا قالوا: الاسم الدال على الاستمرار لا يقع حالا وإن كان مشتقا نحو أسود وأحمر؛ لأنه وصف ثابت، فمن عرف زيدا عرف أنه أسود. وأيضا الحال في المعنى خبر عن صاحبه، فيلزم أن يصدق عليه والرجل لا يصدق على الملك.
ـ[مُحمّد]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 02:06 م]ـ
بورك قلمك أيّها النّبيل.
لكنْ يظهرُ أنّ اعتبرها حالا وجيهٌ، إما على مذهبِ مَنْ يجيزُ مجيء الحالِ جامدًا أو يشترطُ الاشتقاقَ غالبًا؛ وإليه أشار الناظم: وكونُهُ منتقلًا مشتقًّا يغلِبُ ...
ولا عليكَ بما قاله -رحمه الله-: " الأحوال التي تقع من غير المشتقات لا تؤول بمثل هذا التأويل ". فهذا مردودٌ بنحو: " جاء زيدٌ وحدَه " ونحوها مما لم يقلْ أحدٌ أنها مؤولة بلفظها.
لك التقديرُ، سيدي.