responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1526
فأمَّا (اعتذر)، فإنَّهم عدَّوه بـ (مِن) لأنَّ (الاعتذار) طلبٌ للخروجِ من المَلامة. فلمَّا كانَ له مبتدَأ يفارِقُه، اقتضَى التعديَ بهذا الحرفِ. وإذا كان ذلكَ كذلكَ، لم يمتنع أن يتعدَّى بـ (عن) أيضًا، لأنَّ الانتقالَ من شيءٍ مجاوزةٌ له، كما تقول: (خرج منه وعنه)، و (سار منه وعنه)، و (مشى منه وعنه)، و (انطلق منه وعنه)، و (ذهب منه وعنه)، و (أدبر منه وعنه). والعربُ من مَّا تتوخَّى هذا المذهبَ في كلامِها، وتجرِي منه على قياسٍ، ألا ترَى أنَّهم قالوا: (عضَّه وعضَّ عليه)، و (أزمَه وأزمَ عليه)، و (قبضَه وقبضَ عليه)، وقالوا أيضًا: (غطَّاه وغطَّى عليه)، و (طمسَه وطمسَ عليه)، و (جنَّه وجنَّ عليه) فعاورتْ بينَ تعديةِ هذه الأفعالِ بنفسِها، وبينَ تعديتِها بـ (علَى)، إذْ كانَ لها أصلٌ واحدٌ من المعنَى تُنمَى إليه. وكما قالوا: (قصدَه وقصد إليه)، و (عمَده وعمَد إليه)، و (جاءَه وجاء إليه)، و (أتاه وأتى إليه)، و (وصله ووصلَ إليه)، فعدَّوها بنفسِها، وعدَّوها بـ (إلى)، إذْ كانَ معناها صالحًا لكلا الوجهينِ. والعامَّة تقولُ: (حجَّ إلى البيت) قياسًا على هذا مع أن المسموعَ تعديةُ هذا الفعلِ بنفسِه. وقالت العربُ أيضًا: (جرَى إليه وله)، و (عادَ إليه وله)، و (ساقَه إليه وله)، وغيرَ ذلكَ من مَّا يطابِقُ معنَاه هذا المعنَى، كقولك: (ذهبت إليه وله). فتعدِّيه بـ (إلى)، لأنَّ (الذهابَ) لا بُدَّ له من غايةٍ ينتهي إليها، وتعدِّيه باللامِ، لأنَّ من كانَ هو غايتَك التي تريدُ بلوغَها فإنَّ ذهابَك إنما كانَ لأجلِه. فمن هذا الوجهِ جازَ أن يتعدَّى باللام الدالَّة على التعليلِ. وليس بصوابٍ قولُ من جعلَ من معاني اللام الدلالةَ على انتهاء الغايةِ، فإنَّه ليس معانيها هذا المعنَى عندَ التأمُّلِ. فأمَّا وقوعُها في المواضعِ التي أوردتُّ موقعَ (إلى)، فليسَ لأنها بمعناها، وإنما ذلكَ لأنَّ الغايةَ عِلَّة لوقوعِ الفعلِ كما تقدَّم بيانُه. وقالوا أيضًا: (أفَّفه وأفَّفَ به)، و (ناداه ونادى به)، فعدَّوا ما دلَّ على هذا المعنَى بنفسه، وبالباء. وكلُّ ذلك من مَّا يقرِّر صوابَ ما ذكرتُ مِن أنَّ حروفَ الجرِّ قياسٌ، ولكن بعدَ أن تُحرَّر معانيها، ويُرحَضَ عنها ما حُمِلَ عليها (مِن اللَّغَا ورفثِ التكلُّمِ)!

فيصل المنصور

ـ[منصور مهران]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 08:07 م]ـ
قولُ الأستاذ فيصل المنصور:
{وذلكَ الحذفُ معقودٌ على أن يكونَ في الكلامِ، أو الحالِ ما يَدلُّ على المحذوفِ، ويخبرُ عنه. ولذلكَ فإن قولَ القائل: (أعتذر من الحضور) صحيحٌ، إذْ كانَ في معرفةِ المخاطَب بعدمِ حضورِه، وكونِ الحضورِ من مَّا لا يقتضي الاعتذارَ، ما يغني عن ذكرِ هذا اللفظِ، ويَدلُّ عليه.}
دعاني إلى التساؤل:
وهل العامَّة وبعض المنتسبين إلى طلب العلم يدركون هذا الغوص؟
ثم قلت:
وكان مجمع اللغة العربية بالقاهرة أجاز (أعتذر من الحضور، وعن الحضور) كليهما على توجيه حذف المضاف.
ثم زاد القرار جملة ذات مغزى دقيق، ألا وهي:
((على أنه من الخير أن يعتذر المرء عن - أو من - عدم الحضور))
فقلت:
فإذا كان الاعتذار بهذا الأسلوب جاريا بين أهل العربية المبثوثة في الكتب لقيَ القبولَ عن وعْيٍ وإدراكٍ.
وعند العامة (كله ماشي) بلا تمييز بين ما يجب وما يجوز.
ومع الشكر والتقدير للبحاثة المنصور
هذه تحية أخيه منصور.

ـ[أبو سهل]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 09:23 م]ـ
قرأتُ كلامك فكأني كنتُ أقرأ قِطعة من خصائص ابن جني أو كلاما من تفسير أبي جعفر، وحرّرتَ المسألةَ حتى ذكّرتني بأبي بكر الأنباري في رصانة بيانه وابن حجرٍ في بُعد استقصاءه وعبد القادر البغدادي في طلاوة كلام المتقدمين.

دونكم أيّها القراء علامة ذلك من مقالته حيث يقول:
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1526
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست