اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1452
من لطائف معاني الحروف (حديث متواصل , إن شاء الله)
ـ[أنس آغا]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 05:31 م]ـ
من لطائف حروف المعاني (1)
قال الله - سبحانه – على لسان سدنا عيسى , عليه السلام: {من أنصاري إلى الله}
لعل القارئ يتساءل هنا: لم قال {من أنصاري إلى الله}؟ ولم يقل: {من أنصاري مع الله}؟
فالجواب: أنه لو كانت الآية على ما توهمه القارئ لاحتملَتْ معنى: من يضيف نصرته إلى نصرة الله , ولاحتملت معنًى آخرَ غيرَ مراد , وهو: من ينصرني مع الله , أي: وينصر الله. وهذا غير مراد قطعاً. فالله ناصر لا منصور.
فورود " إلى " لهُ فائدتان:
1 - الأولى: ما ذكره المرادي في " الجنى الداني " , إذ قال: " المعنى في قوله , تعالى: {من أنصاري إلى الله} من يضيف نصرته إلى نصرة الله. و " إلى " في هذا أبلغ من " مع " , لأنك لو قلت: من ينصرني مع فلان , لم يدل على أن فلاناً وحدَه ينصرُك , ولا بد , بخلاف " إلى " , فإن نصرة ما دخلت عليه محققة واقعة مجزوم بها. إذ المعنى على التضمين: من يضيف نصرته إلى نصرة فلان اهـ
يريد بهذا أن نصرة الله محققة , نصروه أم لا , ولو جاءت " مع " لم تدل على هذا المعنى.
2 - ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي , حين قال في كلامه على هذه الآية: ويحتمل قولك: " من ينصرني إلى خالد "؟ معنى آخر هو: " من ينصرني حتى أصل إلى خالد "؟ كما تقول: " من ينجيني إلى خالد "؟ و: " من يمنعني إلى خالد "؟ أي: ينتهي المنع إلى خالد. وعلى هذا يكون معنى الآية: من أنصاري حتى ننتهي إلى الله؟ وتحتمل معنى آخر هو: من أنصاري في دعوتي إلى الله؟
ـ[طالبة مجدة]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 04:49 ص]ـ
بارك الله فيك ... معلومة مفيدة .. جزاك الله خيرا
ـ[أنس آغا]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 12:13 ص]ـ
من لطائف حروف المعاني (2)
قال الله , سبحانه:
{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرهً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم , ولا خوف عليهم , ولا هم يحزنون} (البقرة 274)
وقال , عز وجل:
{الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران 17)
لعل القارئ الكريم يتساءل: لم قال الله " بالليل " , و " بالأسحار " , مع أن الأصل أن يقول: " الذين ينفقون أموالهم في الليل " , و " المستغفرين في الأسحار "؟
فالجواب: أن الباء في كلا الآيتين بمعنى " في " , أي: للظرفية الزمانية. لكن جاءت الباء هنا لمعنًى لطيف بديع.
فمن المعروف أن الباء في أصل وضعها للإلصاق , وإذا ما جاءت لمعنى آخر فإنه يبقى لها شيء من معناها الأصلي. وفي هذه الآية الأمر كذلك , فلمداومة هؤلاء المؤمنين على الإنفاق ليلاً ونهاراً ,لم يقل الله: " في الليل " , بل " بالليل " , فكأنهم ملتصقون بهذا الفعل لا يفارقونه.
ولأن المستغفرين في الأسحار مداومون على هذه الطاعة , قال: " بالأسحار " لا " في الأسحار " , فكأنهم ملتصقون بهذا الفعل.
لذا , فالكلام في هاتين الآيتين لا على من فعل هذين الوصفين مرة واحدة , بل على من لازمهما دون انفكاك عنهما. فتدبر هذا المعنى , فإنه عجيب.
ومثل هاتين الآيتين قوله , تعالى: {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار , وهم لا يسأمون} (فصلت 38) , أي: عنده عباد ملازمون للاستغفار ملتصقون به لا ينفكون عنه أبداً. وهم الملائكة.
ـ[أنس آغا]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 11:36 ص]ـ
من لطائف حروف المعاني (3)
عن حذيفة بن اليمان – ? – عن النبي – ? – قال: " لا تقولوا: ما شاء الله, وشاء فلان. ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ".
قد يتساءل أحدنا عن سبب نهي النبي عن الإتيان بالواو في هذه العبارة, وتحتيم المجيء بـ " ثم ". فالجواب أنه مما تقرر في حروف المعاني أن الواو لمطلق الجمع, و" ثم " للترتيب مع التراخي. وقولهم: لمطلق الجمع, يعني أنها قد تكون للترتيب أو عكسه, أو المعية. وعليه فإن قولك: " ما شاء الله وشاء فلان " يفهم الجمع بين المشيئتين دون ترتيب فيهما, مع تحتم الترتيب هنا, إذ كل مشيئة متوقفة على مشيئة الله وإرادته. وعليه فلا بد من الإتيان بـ " ثم" الدالة على الترتيب والتراخي في المنزلة, أي: أن مشيئة أي كان بعد مشيئة الله ومنزلتها دون منزلة مشيئته. سبحانه.
ولا بد أن تتنبهَ معي هنا إلى أن النبي - ?- ملّكه الله من بلاغة العربية وفصل خطابها ما لم يملِّكه غيره من البشر, وتدركَ معي سر مقولة الإمام الشافعي: " لا يحيط بلسان العرب إلا نبي".
ـ[أنس آغا]ــــــــ[14 - 01 - 2011, 06:35 ص]ـ
من لطائف حروف المعاني (4)
قال الله, سبحانه:
{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة, ثم يتوبون من قريب. فأولئك يتوب الله عليهم, وكان الله عليمًا حكيمًا} (النساء 17)
لعل القارئ الكريم يتساءل عن سر العطف بـ "ثم" في الآية الكريمة؟ والجواب: أنه مما لا شك فيه سعة عفو الله وكرمه. وهذا ثابت في آياتٍ وأحاديثَ كثيرة, ليس هذا موطنَ تِبيانها.
والآية هنا فيها إشارة وتلميح إلى سعة عفو الله (1). ذلك أن "ثم" –كما هو معروف- تفيد الترتيب مع التراخي. وقد عطف هنا جملة (يتوبون) على جملة (يعملون). وهذا يعني: أن توبتهم كانت بعد عملهم السوء بفترات, أي: أن الله -سبحانه- يتوب على العبد, ولو أخر توبته, ما لم يغرغر. وعلى هذا تفهم سر مجيء "ثم" في هذا التركيب.
(1) قال الإمام الآلوسي: "وفي العطف بـ "ثم" إيذان بسعة عفوه. تعالى"اهـ روح المعاني 4/ 239 ط دار إحياء التراث العربي
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1452