،،، دَخَلَ أبو يوسف الفقيه علَى الرَّشيدِ، وعنده الكسائيُّ يُحدِّثُه، فقالَ: يا أميرَ المؤمنين، قد سَعِدَ هذا الكوفيُّ بكَ وشغلكَ. فقال الرَّشيدُ: النَّحوُ أستعينُ به علَى القرآنِ والشِّعرِ. فقالَ الكسائيُّ: إنْ رأَى أميرُ المؤمنين أن يأذَنَ له بجوابي عن مسألةٍ من الفقهِ. فضحكَ الرَّشيدُ، وقالَ: أبلغتَ -يا كسائيُّ- إلى هذا، قُلْ! فقال الكسائيُّ: ما تقولُ في رجلٍ قالَ لامرأتِه: أنتِ طالقٌ أَنْ دَخَلْتِ الدَّارَ؟ قال أبو يوسف: إذا دَخَلَتْ طُلِّقَتْ. فقال الكسائيُّ: أخطأتَ! إذا فَتَحْتَ (أَنْ)؛ فقد وجَبَ الأمرُ؛ لأنَّ (أَنْ) بالفتحِ لِمَا قد كانَ، وإذا كَسَرْتَ؛ فلم يَقَعْ بَعْدُ. فنظرَ أبو يوسف بعد ذلك في النَّحْوِ.
،،، وقالَ: اجتمعتُ أنا وأبو يوسف القاضي عند الرَّشيدِ، فجعل أبو يوسف يذمُّ النَّحوَ، ويقول: وما النَّحْوُ؟ فأردتُّ أنْ أُعلمَه فَضْلَ النَّحْوِ، فقلتُ: ما تقولُ في رجلٍ قالَ لرجلٍ: أنا قاتِلُ غُلامِكَ! وقالَ آخَرُ: أنا قاتِلٌ غُلامَكَ! أيهما كنتَ تأخذُ به؟ فقالَ: آخذُهما جميعًا! فقالَ الرَّشيدُ: أخطأتَ! -وكانَ له عِلمٌ بالعربيَّةِ-، فاسْتحيَا، وقالَ: كيفَ ذلك؟ فقالَ: الَّذي يُؤخَذُ بقتلِ الغُلامِ هو الَّذي قالَ: أنا قاتِلُ غُلامِكَ -بالإضافةِ-؛ لأنَّه فعلٌ ماضٍ، وأمَّا الَّذي قالَ: أنا قاتِلٌ غُلامَكَ -بالنَّصْبِ-؛ فلا يُؤخَذُ؛ لأنَّه مُستقبَلٌ لم يكن بعدُ؛ كما قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: ((ولا تَقُولَنَّ لشيءٍ إنِّي فاعِلٌ ذلكَ غَدًا إلا أن يَشاءَ اللهُ))، ولولا أنَّ المُنوَّنَ مُستقبَلٌ؛ ما جازَ فيه (غدًا). فكانَ أبو يوسف بعد ذلك يمدح النَّحوَ والعربيَّةَ.
[«نور القبس» -لليغموريِّ-: 285، 286].
،،،،،،،،،
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1410