اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1334
فيُرسَم المشدَّدُ حرفًا واحدًا مُشدَّدًا، ويُكتَفى بالشَّدَّةِ عن الحرفِ الثَّاني، ولولَا الشَّدَّةُ لكُتِبَ الحرفانِ ـ كما هو الأصلُ ـ، وهذا مُتَّفقٌ عليه، فالحرفُ المشدَّدُ وإن كان في أصلِه حرفَينِ، إلَّا أنَّه لا يُرسَمُ إلَّا حرفًا واحدًا مُشدَّدًا ..
إلَّا أَن يُفَكَّ الإدغامُ في الشِّعرِ لِلضَّرورةِ فيُكتَبُ حينئذٍ حرفَينِ (وهذه مسألةٌ خاصَّةٌ) ..
،،، وأمَّا في النُّطقِ فإنَّه يَختلِفُ:
ـ ففي الوَصلِ: يُؤتَى بالحرفَينِ، فيكونُ الأوَّلُ ساكنًا، والثَّاني مُتحرِّكًا، فتَقولُ: (الحقَّ) = (الحقْقَ).
ـ وفي الوَقفِ: إذا كانَ الحرفُ المشدَّدُ طرَفًا: فالوقفُ عليهِ بالشَّدَّةِ يختلفُ عن الوَقفِ على الحرفِ المخفَّفِ، بِالضَّغطِ على الحرفِ عندَ الوَقفِ، فمثلًا: كَلمةُ (المَدّ) الدَّالُ فيها مُشدَّدةٌ، فلابدَّ لإظهارِ الشَّدَّةِ مِن إطالةِ الصَّوتِ في الدَّالِ عِندَ الوَقفِ، بخِلافِ كَلمةِ (اليَدْ) فإنَّكَ تَقفُ عليهَا بسُكونِ الدَّالِ، دُونَ زيادةٍ أو إطالةٍ في صَوتِ الحرفِ.
وهذا الاختلافُ كانَ له أثرٌ في مَسائلَ مُختلفةٍ في أنواعٍ مِن العُلومِ، مِنهَا:
،،، عِلمُ التَّجويدِ:
فقد اهتمَّ قُرَّاءُ القُرآنِ الكريمِ بضَبطِ ما يتعلَّقُ بأحكامِ الحروفِ المشدَّدةِ في قِراءَةِ القُرآنِ، فقالُوا مثلًا:
ـ الحرفُ المقَلقَلُ يكونُ في أعلى مَراتبِ القَلقلةِ إذا كانَ طرفًا مشدَّدًا، مثلَ الوَقفِ على قولِه تعالَى: ((تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبّ)) بتَشديدِ الباءِ، فإذَا كانَ طرفًا مخفَّفًا فهو في مَرتبةٍ أدنى ممَّا قبلَه، مثلَ الوَقفِ علَى قولِه تعالَى: ((مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبْ)).
ـ ومِن هَذا البَابِ فرَّقوا بَينَ المدِّ اللَّازمِ الكلميِّ والحرفيِّ (المُثقَّلِ) و (المخفَّفِ).
ـ ومنه: الوَقفُ على كلمةِ ((لكنْ)) المخفَّفةِ ونحوِها يكونُ بسُكونِ النُّونِ دُونَ إطالةٍ في الغُنَّةِ، أمَّا الوَقفُ على ((لكنّ)) المشدَّدةِ، فبِسُكونِ النُّونِ معَ زِيادةِ غُنَّةٍ بمِقدَارِ حَركتَينِ، ومثلُه الوَقفُ على كَلمةِ ((الجانّ)).
ـ وقالُوا: الوَقفُ على نَحوِ ((مُسْتَقِرّ)) بِرَاءٍ مُشدَّدةٍ، ليس كَالوَقفِ على نَحوِ ((قَدْ قُدِرْ)) بِرَاءٍ ساكنةٍ مخفَّفةٍ.
،،، وفي عِلمِ العَروضِ:
نبَّه أهلُ اللُّغةِ إلى ضَرورةِ تخفيفِ الحرفِ المشدَّدِ في آخرِ الشَّطرِ (العَروضِ) أو (الضَّربِ) إذا كانَ يخلُّ بِالوَزنِ، لأنَّ المشدَّدَ يُعتَبرُ حرفَينِ حتَّى معَ الوَقفِ عليهِ، فتَصيرُ تفعيلةُ (مُستَفْعِلُنْ) مَثلًا معَ إبقاءِ الشَّدَّةِ في الحرفِ الأخيرِ على وَزنِ (مُستَفْعِلَانْ) بسَاكنَينِ، وهذَا يَكسِرُ البَيْتَ، فيُخفَّفُ الحرفُ لِلضَّرورةِ في نَحوِ ذَلِكَ. وللا ستزادة في هذه المسألة: راجع الرابط الآتي: (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=3486 (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=3486)) .
فهَذهِ أحكامٌ مُختلِفةٌ في أبوابٍ شتَّى مِن العُلومِ مُتفرِّعةٌ عن التَّفريقِ بينَ الحرفِ المشدَّدِ والمخفَّفِ حالَ الوَقفِ ..
وبِهذا يتبيَّنُ لِي ولَكَ صَوابُ ما ذَكرَه الإخوانُ ـ باركَ اللهُ فيهِم ـ أنَّ الحرفَ المشدَّدَ عبارةٌ عن حرفَينِ، الأوَّلُ ساكنٌ، والثَّاني مُتحرِّكٌ، وكِلاهما مَنطوقٌ به سَواءٌ أكانَ وَصلًا أم وَقْفًا.
واللهُ تعالَى أعلَمُ ..